نحن نتعرض للخسائر في جميع نواحي حياتنا، فقد تكون خسارة شخص عزيز، أو خسارة وظائفنا، أو مشاريعنا التجارية، أو حرماننا من التعليم، أو افتقادنا العادات اليومية؛ إذ لا تسبب لنا الخسائر اضطراباً فحسب، بل تشكِّل خطراً على الصحة أيضاً، فيمكن للمستويات المستمرة والمرتفعة من التوتر أن تؤدي إلى اضطراب الوظائف العقلية والجسدية، ممَّا يؤثر على كل من الذاكرة والإدراك، وقد تسبب اضطرابات الجهاز الهضمي وارتفاع ضغط الدم.
عندما ننشغل عن اغتنام الفرص، في محاولة منا لإعادة التركيز إلى ذهننا المشتت، يجب علينا إيجاد الوقت الكافي والطاقة والحافز لوضع الأهداف؛ وعندما نشعر أنَّنا فقدنا زمام السيطرة، تعصف بنا الأفكار، ونهيم في دوامة من المشاعر التي لا تعرف الاستقرار، فتنعكس فوضى محيطنا على حياتنا.
يحاول كثير منا التغلب على هذه الفوضى، عبر قضاء وقت أكبر في العمل الجاد، وإتمامه على وجه السرعة؛ لكن تتراكم على قوائم مهامنا مجموعة من الأعمال غير الضرورية التي تَشغلنا عما هو هام حقاً، فتجعل حيواتنا تبدو وكأنَّها خارج نطاق سيطرتنا.
تكمن المفارقة في أنَّ تقبُّل حقيقة افتقارنا إلى السيطرة على بيئاتنا، هي إحدى طرائق استعادة شيء من السيطرة؛ إذ تسمح عقلية الاستسلام البسيطة هذه لأدمغتنا التي تحاول حلَّ المشكلات بالانتقال إلى وضع التحكم، أي التحكم باستجاباتنا لما يحدث من حولنا.
إليك بعض النصائح لتهيئتك ذهنياً تهيئةً صحيحة، فتستطيع أن تحاول تحسين مستقبلك عبر تحديد الأهداف:
1. اكتشف حالتك الذهنية الحالية:
دوِّن كل شعور ينشأ عندما تفكِّر في وضعك الحالي، فقد يعتريك الغضب والحزن والعجز؛ فمثلاً: إن كان عملك يمرُّ بفترة عصيبة نتيجة الانكماش الاقتصادي؛ اكتب هذه المشاعر بأحرف كبيرة في أعلى الصفحة لتكون عنواناً لما يليها، ثم اضبط عدَّاد الوقت لمدة 15 دقيقة، واكتب كل ما يتبادر إلى ذهنك بأسرع ما يمكن.
تتيح لنا هذه الممارسة المدعومة بالأبحاث الاعترافَ بمشاعرنا، والعمل من خلالها بطرائق مثمرة، مع إيجاد منظور جديد للمضيِّ قدماً؛ فمن دون منظور جديد، نجد أنفسنا عالقين في دوامة من الأفكار السلبية التي تعيقنا عن التأقلم الذي يُعدُّ عنصراً جوهرياً في ريادة الأعمال.
2. وجِّه وجهة نظرك المعدلة نحو أهدافك:
لقد أحدثت جائحة كورونا (COVID-19) صراعاً عالمياً بكل ما تمتلكه الكلمة من معنى؛ لكنَّها أتت بالعديد من الفرص التي علينا البحث عنها لاستثمارها؛ فلنفترض أنَّ هدفك من إطلاق منتجك في أوائل عام 2020 كان موجَّهاً نحو بناء مجمَّع مكاتب؛ وإذا بالعديد من الشركات قد تحولت إلى تطبيق العمل الدائم عن بُعد!
قد يجعلك الخوف والذعر تسحب منتجك، وتحاول استرداد أكبر كمٍّ ممكن من أموال الاستثمار؛ لكن إن نظرت إلى لأمور بهدوء ورويَّة، ستكون قادراً على إنتاج طرائق لتلافي الموقف، مما قد يؤدي إلى إمكانية إنتاج أكبر مما توقعت سابقاً.
اغتنم الفرصة أيضاً لإضفاء الطابع الإنساني على أهدافك؛ يعني هذا أنَّه ليس بالضرورة أن يكون كل شيء في قائمة أهدافك لعام 2021 ملموساً أو مُربحاً بطبيعته، فاسأل نفسك الأسئلة التالية في البداية:
-ما الذي يجلب لي الفرح؟ كيف يمكنني زيادة هذه اللحظات السعيدة؟
-ما الذي أود إزاحته من طريقي؟ وكيف أحقق ذلك؟
-متى أشعر أنَّني أقل ارتباطاً بنفسي وبالآخرين؟ وكيف أَحدُّ من هذه المشاعر؟
3. ادمج الرعاية الذاتية في روتينك:
بدلاً من إضافة هدف "الرعاية الذاتية" إلى برنامجك المعتاد، يمكنك متابعة ذلك النوع من الرعاية الذاتية الذي يحارب مشكلتك بصورة مباشرة؛ إذ تؤدي الفوضى إلى التسرُّع لدى الكثيرين، ويؤدي التسرُّع إلى الإهمال والتوتر.
أزل مفهوم تعدد المهام من قاموس مفرداتك، واتَّبع بدلاً من ذلك هذه الوصفة البسيطة:
-افعل الأشياء كل واحدة على حِدَة.
-افعل ذلك ببطء وعن قصد.
-افعل ذلك بإتقان.
-افعل القليل.
-اترك مساحةً بين الأشياء التي تفعلها.
نصائح من رواد الأعمال:
إليك أمثلة عن ثلاثة من رواد الأعمال الذين يعانون من المخاوف والشكوك والهواجس نفسها التي تشعر بأنَّها تسيطر على جزء كبير من حياتك؛ فضع في الحسبان كيف يتعاملون مع العام الجديد، وما إن كان باستطاعتك التعلُّم من أساليبهم:
1. تقول مونيكا فوليرتون (Monica Fullerton) مؤسسة موقع سباوسلي (Spouse-ly):
"كزوجة رجل يعمل في الجيش، بنيت مستوىً عالياً من المرونة والقدرة على التأقلم في الأهداف التي حددتها. يرجع ذلك أساساً إلى طبيعة عمل زوجي، وبوصفي موظفةً، وأُمَّاً لتوأم، ومؤسسةً لشركة ناشئة، فإنَّني لا أمتلك متسعاً من الوقت.
لقد أثَّرت جائحة كورونا (COVID-19) في جميع جوانب حياتَينا، كما أثارت شكوكنا حول جدوى عملنا في هذا السوق؛ ولكن أكدت أهدافنا المدفوعة بالنية الحسنة، أنَّ عملنا هام، وينبغي أن يُنجز".
تكابد زوجات العسكريين والمحاربين القدامى الأمرَّين للعثور على وظيفة تقليدية بسبب الطبيعة المؤقتة لحياة العاملين في الجيش، كما تواجه هذه المشكلة الكثيرين أيضاً. وبصرف النظر عما تطمح إلى القيام به، فمن المحتمل أن يكون هناك شخص ما قد مرَّ بالظرف نفسه؛ لذا ابحث عن مجتمعات تضم أشخاصاً لهم تفكيرك نفسه، لتحقيق التواصل والنمو والتعلُّم والعثور على الدعم:
-ارجع إلى سبب بدء رحلتك هذه في المقام الأول: هل تتذكر مشاعر التمكين والتأثير والعزم التي كانت لديك؟ اسمح لهذه المشاعر بنقلك إلى المستوى التالي.
-ليس عليك إحداث ثورة علمية: ما هي الأهداف الصغيرة القابلة للتنفيذ التي يمكنك تحديدها والتي يمكن أن تُحدث فارقاً في حياتك أو حيوات الآخرين؟ اعلم أنَّ التحسن والتقدم يحدثان بمرور الوقت.
-لا تعِّقد الأمر: بسِّط أهدافك، واجمعها في جملة واحدة موجَّهة نحو النتائج.
-كن ممتناً: فلا أحد لديه علم الغيب ليرى ما يخبئه له المستقبل؛ لذا تعلَّم كلما سنحت لك الفرصة بينما تمضي في طريقك إلى النجاح.
2. يقول سايمون مارسيجيلا (Simone Marsiglia)، مؤسس ورئيس شركة خدمات غاز ستيشن (Gas Stations Services Corp):
"يُعدُّ تحديد الأهداف أمراً ضرورياً لجميع أرباب الأعمال لقياس نجاحهم؛ ولكن بالنسبة لي، هو الأمر الأهم للحفاظ على الدافع؛ فمع أهمية تحديد الهدف، غالباً ما يغفل الناس عما يتأتى بعد بلوغ الهدف؛ فمثلاً: إنَّ أحد أسرار نجاحي، هو الاستمرار في العمل كما لو أنَّني لا زلت أحاول إنجاز أهدافي على المستويين الشخصي والمهني؛ وبهذه الطريقة أطمح دوماً إلى المزيد.
كان أحد أكبر أهدافي، أن أنقل عملي من إيطاليا إلى الولايات المتحدة، وقد كان نقل مقر عملي وعائلتي إلى بلد جديد مصحوباً بمشاعر إيجابية وسلبية؛ فلم تكن مجرد مدينة جديدة ومثيرة؛ بل فتحت أمامي آفاقاً واسعة من الاحتمالات لعملي وزوجتي وابنتي؛ وذلك بسبب الانتقال إلى ما وراء البحار بعيداً عن أقربائنا ومعارفنا، والتعرف إلى أناس جدد لا أنسجم معهم مثلما أفعل مع زملائي الإيطاليين".
تحتاج في مثل هذه المواقف أكثر من أيِّ وقت مضى إلى أن تكون قادراً على التأقلم بسرعة، والانفتاح على الأفكار الجديدة في ظل التغيرات المتسارعة دوماً، وإدراك أنَّ النجاح هو عملية نمو مستمرة لا يجب أن تتوقف.
إذا لم يَعد الهدف الحالي قابلاً للتطبيق، أو لم يَعد منطقياً نتيجة الظرف الراهن، أُذكِّر نفسي وفريقي بضرورة التأقلم مع تغير الظروف الخارجة عن سيطرتنا؛ فقد تضطر إلى إعادة تقييم مؤشرات الأداء الرئيسة، أو الجدول الزمني لمؤشر مرجعي ما؛ وما دام الهدف النهائي محدداً وقابلاً للقياس وملائماً على الدوام؛ فلن يعرقِل أيُّ سيناريو مستقبلي تحقيق هذا الهدف بالكامل.
3. تقول الفنانة المختصة في الحياة البرية، والكاتبة والمتحدثة كورينا ثورستون (Corrina Thurston):
"لا أحد لديه مفاتيح الغيب إلا الله تعالى، فخذ هذه النصيحة من شخص أُصيب بمرض مزمن ومُوهِن في سن الثامنة عشرة، وقضى معظم السنوات الستة التالية طريح الفراش: ستُقلَب خططك رأساً على عقب وتتغير أهدافك؛ لكن لا ضير في ذلك، فلا تنزعج أو تَخَف أن يصيبك اليأس؛ لأنَّ أمراً مستجداً قد نسف خططك.
انظر حولك وابحث عن الفرص المتاحة، وحوِّل سير عملك إلى المنحى المناسب عند الحاجة، فأنت لست ملزماً بتحقيق الأهداف أو الخطط التي سجلتها إن لم تناسبك.
قبل عام من الآن، لم أعتقد مطلقاً أنَّني سأستثمر أعمالي الفنية لصنع الكمامات ذات الرسومات المطبوعة؛ لكنَّها أصبحت الآن أكثر المنتوجات مبيعاً، لم يكن ليخطر في بالي أنَّ جائحةً ستغيِّر وجه العالم، ولكن مع إغلاق تجار التجزئة لتجارتهم، وتقشف الناس من ناحية شراء الأعمال والمنتجات الفنية، أصبح التأقلم مع الموقف ضرورةً بالنسبة لي، وكذلك الأمر بالنسبة لاستثمار الإنترنت في التسويق لعملي، وأمسى الحصول على منتجات جديدة حاجة أساسية بين عشية وضحاها".
لا يمكننا معرفة ماذا يخبئ لنا المستقبل، وستكون هنالك دوماً أمور جديدة في انتظارنا؛ لذا حدد أهدافك ومهِّد طريقك للوصول إلى ما تبتغي؛ لكن كن مرناً في وضع أهدافك، كي تستطيع تعديلها حسب الظروف.
ليس باستطاعتك السيطرة على كل شيء في حياتك؛ ولكن بإمكانك التحكم في كيفية تفاعلك مع الأشياء والتكيف معها؛ لذا كن على استعداد للتخلي عن الأشياء غير المجدية، وتغييرها، أو تجربة شيء آخر حسب الظروف".