ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب دوغ ستانيرت (Doug Staneart)، والذي يُحدِّثنا فيه عن نموذج تدريب المدرِّبين.
حيث يكون هناك 10 أشخاص في الغرفة، ويهمس أحدهم عبارة تحتوي على أكثر من 10 كلمات في أذن الشخص الأول، ثم ينقل الشخص الثاني العبارة إلى الشخص الثالث، وهكذا دواليك حتى تصل العبارة إلى الشخص الأخير.
عندما تقارن العبارة الأولى مع العبارة الأخيرة، ستجدهما مختلفتين تماماً، وهذا ما يحدث غالباً عندما تحاول المؤسسات تطبيق نموذج تدريب المدرِّبين لتطوير الموظفين، ولكن يجب ألا يحدث هذا، فإن اتخذتَ الخطوات الصحيحة، وطبَّقتَ العملية كما هو مخطَّط لها، يمكنك تطوير موظفيك تطويراً هائلاً، وربما تستطيع تخفيض تكاليف التدريب أيضاً.
ما هو نموذج تدريب المدربين، وما هي آلية عمله؟
ببساطة شديدة، نموذج تدريب المدِّرب عملية يُدرَّب فيها الخبراء المتخصِّصون (SME's) لتطوير خبراء متخصصين آخرين، فعندما كنت في المدرسة الثانوية، حصلت على وظيفة في مطعم، وفي أول يوم لي هناك لم أعمل محاسباً كما كان مفترضاً؛ بل كلَّفوني بمهمَّة طهي الدجاج وعصر الليمون دون أن يدرِّبني مالك المطعم أو المدير على القيام بذلك؛ وإنَّما درَّبني موظف من سني كان يعمل هناك قبلي بخمسة أشهر، وكان يفعل هذه الأشياء المحدَّدة منذ الشهر الأول لتولِّيه العمل؛ ولذلك كان خبيراً في طهي الدجاج وعصر الليمون.
في المقابل، عندما درست لأكون كوتشَ عروضٍ تقديميةٍ، تلقَّيت دورة تدريب مدرِّبين مكثَّفة، وقضيت ثلاث سنوات في الدراسة مع مدرِّب مُعتمَد (SME)، وخلال تلك السنوات الثلاث، درستُ كل وحدة تدريب دراسة مُفصَّلة، وشاركتُ في التدريس مع منتوري، وأخيراً أصبحتُ كوتشاً مُعتمَداً.
الخطوات الأساسية لتصميم دورة تدريب مدربين رائعة:
1. البدء بإنشاء محتوى رائع:
المحتوى الرائع هو نقطة انطلاقة جميع دورات تدريب المدرِّبين الرائعة، ولكن تواجه برامج تدريب المدرِّبين تحدياً يتمثَّل في أنَّ المحتوى غير مكتوب، وإنَّما موجود في ذهن الخبير المتخصِّص.
كان لدي في السنوات السابقة العديد من العملاء لدرجة أنَّني كنت أحياناً أحدد موعداً مع عميلين في الوقت نفسه، مما اضطرَّني لتعيين مساعِدة لمساعدتي، وقد كانت تتمتَّع بخبرة إدارية، ومعتادة على تدوين العمليات خطوة بخطوة؛ وبما أنَّ الأفكار كانت كلَّها في ذهني، شعرت مساعِدتي بالإحباط بسبب قلَّة التنظيم، فقضينا الأسبوعين التاليين في تدوين العمليات وتنقيحها، ومن خلال القيام بذلك، استطعنا قياس فاعلية كل خطوة، وعدَّلنا العملية غير مرة لزيادة الكفاءة والفاعلية، وفي غضون أشهر، تمكَّنتُ من العمل مع ما يقرب من ثلاثة أضعاف عدد العملاء، وفي النهاية، وظَّفتُ أعضاء جدد في الفريق، وبما أنَّني أنشأت العملية بالفعل؛ تمكَّنتُ من تدريب أعضاء الفريق الجدد بسهولة.
2. تنظيم المحتوى بكفاءة في عملية بسيطة خطوة بخطوة:
بمجرد كتابة المحتوى، تأكد من تبسيط العملية؛ فأكبر خطأ يرتكبه الكثير من المدرِّبين الجدد هو تقديم معلومات كثيرة في جلسة واحدة، فلن يتذكَّر أحد عمليةً من 100 خطوة، ولكن يمكن لأي شخص إتقان عملية من خمس خطوات، وبمجرد أن يتقن المتدرِّب هذه الخطوات الخمس، يمكننا تعليمه خمس خطوات إضافية.
أُدرِّبُ حالياً كوتشاً جديداً يُقدِّم عروضاً تقديمية؛ ونظراً لأنَّه كان متحدِّثاً لما يزيد على عقد من الزمن، فقد حضر فصلي الدراسي متوقِّعاً أن يبدأ التدريس على الفور، إلا أنَّني طلبت منه قراءة دليل المدرِّبين أولاً، لقد صُدم من جميع الخطوات المختلفة التي يتخذها المدرِّبون في كل جلسة لضمان زيادة ثقة المتدرِّبين، فنحن نجعل الأمر يبدو سهلاً حقاً للمتدرِّبين، لكن ما يقوم به المدرِّبون معقَّد للغاية.
شرحت له أنَّنا سنشارك كلانا في تدريس الفصول أغلب العام، وفي كل فصل سيبدأ بتطبيق المزيد من الخطوات من العملية؛ لذلك في كل مرة نقدِّم فيها درساً معاً، يتقن عنصراً مختلفاً من العملية، وبمرور الوقت سيكون قد أتقنها برمَّتها.
عندما تُصمِّم دورة نموذج تدريب المدرِّبين، أنشِئ عملية بسيطة خطوة بخطوة، وإذا كانت العملية معقَّدة، فقسِّمها إلى أجزاء صغيرة يسهل تعلُّمها.
3. اختبار وقياس العملية:
الخطوة الأخيرة من إنشاء دورة رائعة لتدريب المدرِّبين هي اختبارها، فإذا كان هناك خلل في العمليات داخل المحتوى، فسيكون هناك خلل في الدورة أيضاً، وأسوأ شيء يمكنك القيام به بعد إنشاء دورة هو طرحها دون اختبارها أولاً.
في عام 1997، اندمجت شركة فرانكلين بلانر (Franklin Planner) مع شركة ستيفن كوفي (Stephen Covey) الرائدة، وبما أنَّ "كوفي" يُدرِّس مهارات إدارة الوقت و"فرانكلين" يبيع المفكرات، بدا الأمر كأنَّه اندماج ناجح، لكنَّه لم ينجح كما كان متوقعاً، فقد أنشأت الشركة الجديدة نموذجاً لتدريب المدرِّبين لاعتماد المدرِّبين، وكان لديهم محتوى رائع، لكنَّهم لم يختبروا النتائج ويقيسوها.
عملت زوجتي في شركة تلقَّت دورات فصلية من قِبل مؤسسة "كوفي ترينينغ" (Covey Training)، ولم تكن تحب حضور تلك الجلسات، وأتذكَّر أنَّها قالت ذات مرة: "سأحضر جلسات "كوفي" في الأسبوع المقبِل؛ إنَّها مجرد مضيعة للوقت" (لطالما اعتقدت أنَّ هذا مضحك كونها كانت تحضُر دروساً لإدارة الوقت).
لقد ارتكبت الشركة خطأً كبيراً؛ حيث بدأت بمنح شهادات معتمَدة لأي شخص يدفع رسوماً رمزية، ويحضُر فصلاً قصيراً من دروة تدريب المدرِّبين؛ كما لم يكن المدرِّبون خبراء اختصاصيين؛ ولم يدركوا ذلك لأنَّهم لم يقيسوا نتائج فصول نموذج تدريب المدرِّبين، مما جعل حصَّتهم السوقية تنخفض عاماً بعد عام.
4. التدريب بالممارسة:
أحد أسباب حب الناس لحضور ندوات العروض التقديمية ودورات القيادة لدينا هو أنَّها ممتعة، فكل جلسة مزيج من المحتوى والتطبيق؛ حيث يتعلَّم الناس بالممارسة، وليس من خلال الاستماع للمتحدِّث لساعات.
حضرتُ منذ سنوات مضت ندوة تسويق؛ حيث دعا المنظِّمون المشاركون إلى إحضار بعض منتجاتهم التسويقية إلى الندوة، وبعد أن أنهى المتحدِّثون مناهجهم، طلبوا منا إعادة إنشاء منتجاتنا التسويقية، مما جعل البرنامج عملياً للغاية؛ وذلك لأنَّنا في الواقع كنَّا نعيد تصميم منتجات شركاتنا.
مثال جيد آخر كان مع مؤسسة طبية؛ حيث درَّستُ فصلاً للعروض التقديمية لمجموعة من المدرِّبين في بنك الدم، فقد كانوا مسؤولين عن تعليم فنيي المخبر إجراءات التشغيل القياسية؛ إلا أنَّ جلساتهم لم تكن ناجحة؛ وذلك لأنَّ التقنية التي كانوا يستخدمونها التدربُ لمدة نصف يوم في الفصل، ثم التطبيق العملي في المخبر، اقترحتُ عليهم قضاء 10 إلى 20 دقيقة فقط في الفصل لتدريس جزء من العملية، ثم الذهاب إلى المخبر لتطبيق ما تعلَّموه، وبعد ذلك العودة إلى الفصل الدراسي، ثم الذهاب إلى المخبر مرة أخرى، وقد نجحت هذه الطريقة.
تدريب المدرِّبين باستخدام نموذج تدريب المدرِّبين:
تقودنا تلك القصة الأخيرة إلى الجزء التالي من نموذج تدريب المدرِّبين؛ أي عملية التدريب الفعلية.
1. مهارات العرض التقديمي الجيدة ضرورية لنموذج تدريب المدرِّبين:
بعد تصميم دورة تدريب رائعة، عليك الآن قضاء بعض الوقت في تدريب المدرِّبين، والخطوة الأولى هي مساعدتهم على تطوير مهارات التحدُّث أمام الجمهور، ولكن تذكَّر أنَّ كونك متحدِّثاً بارعاً ليس موهبة طبيعية؛ بل مهارة تستغرق وقتاً لتتطور، وعندما نساعد الشركات في إنشاء أو تنشيط عملية تدريب المدرِّبين، فإنَّنا نبدأ بهذه النقطة، وإذا كان الخبراء المتخصِّصون واثقين وبارعين في التواصل، فستكون البرامج أكثر فاعلية، أما إذا كانوا ضعفاء في التواصل، فستفشل العملية في معظم الوقت.
2. تطوير الخبراء المختصين:
عندما تُصمِّم نموذج تدريب المدرِّبين داخل مؤسستك، ابدأ بخطوات بسيطة، واطلب من خبراء متخصصين في التدريب شرح جزء من العملية لعضو جديد في الفريق، فنحن نتعلَّم عندما نُعلِّم، وبمرور الوقت، عندما يصبح أعضاء فريقك أكثر معرفة ومهارة، زد فرصتهم في التدريس.
الأسلوب الذي أستخدمه مع المتدربين هو طلب مراقبتي منهم (أو مراقبة مدرِّب آخر) في أثناء تقديم الدرس، وبعد ذلك، أطلب منهم تقديم نشاط ممتع في أثناء التدريس المشترك مع مدرِّب آخر، ثم أمنحهم فرصة تقديم العروض أمام المجموعة تدريجياً، ففي معظم الحالات، بعد تطوير مهارات العرض التقديمي الجيدة، يحدث هذا التعلُّم بسرعة.
3. تدقيق نتائج الخبراء المختصين ونموذج تدريب المدربين:
الخطأ الكبير الذي ارتكبته في وقت مبكر هو عدم تدقيق دروس مدربي، فقد افترضت أنَّه طالما أنَّهم أمضوا أكثر من عام في تطوير مهارة تدريب المدرِّبين، فإنَّ المهارة ستكون دائمة.
إذا كنت تتذكَّر لعبة الهاتف التي وصفتها في الجزء الأول من هذه الجلسة، فهذا ما يمكن أن يحدث؛ لذا أُسمِّي هذا الاختلاف "تأثير الخلل/ كرة الثلج".
يحدث الخلل الذي يكون في معظم الأحيان شيئاً صغيراً وخارجاً عن المألوف، وقد لا يحدث مرة أخرى أبداً، ولكن يرى المدرِّب هذا الخلل على أنَّه مشكلة في الطريقة التي أُجريت بها جلسة التدريب؛ ونتيجة لذلك، يغيِّر شيئاً ما قليلاً، ويؤدي هذا التغيير بعد ذلك إلى تحدٍ آخر، ثم إجراء تعديل آخر.
في كل مرة يحدث فيها تغيير خارج الإجراء الأصلي، يتوسَّع الاختلاف، وبمرور الوقت، لا يتَّبع الخبراء المختصون الإجراء المحدد من الخطوة الأولى على الإطلاق؛ لذا قبل إجراء تغييرات على العملية، من المستحسن تدقيق برامج تدريب المدرِّبين للتأكد أنَّ العملية سوف تُدرَّس تدريساً صحيحاً للجيل القادم.