تؤثر أيام العمل الطويلة، والمواعيد النهائية القصيرة، ومطالب مكان العمل التي لا تنتهي كلها سلباً في الموظف، ومع انتشار فكرة العمل عن بُعد منذ بدء انتشار فيروس كورونا، لا شك أنَّك تأثرت كثيراً، ومع جميع التغيرات في عالم الأعمال، فإنَّ نجاحك المهني يعتمد على رغبتك إمَّا في بذل أقصى ما في وسعك أو الاكتفاء بالقليل.
لنبدأ بتحديد الأسباب، فإذا أعطيت الأولوية للنجاح المهني، فأنت تحتاج إلى تحقيق مكاسب مهنية تبلغ بها المهنة التي تحلم بممارستها. على سبيل المثال، إذا كنت تريد تحقيق المزيد من التوازن والفرص والقدرة على كسب المال، وعملاً مُجزياً ومُرضياً، والقدرة على بناء حياة مهنية مناسبة، فأنت بحاجة إلى رأس مال مهني؛ وستتمكن من بناء رأس المال هذا من خلال بذل أقصى ما في وسعك.
ولكن إذا لم يكن السعي إلى كسب المال وإحراز النجاح المهني في نهاية المطاف سبباً كافياً لحثِّك على بذلك أقصى ما في وسعك؛ نقدم لك فيما يلي ثلاثة أسباب أخرى:
- تشهد الوظائف تنافساً شديداً جدَّاً؛ حيث يبحث مسؤولو التوظيف وصناع القرار عن مجموعة متميزة من الموظفين الذين يمتلكون تاريخاً حافلاً بالتجارب التي بذلوا فيها أقصى ما في وسعهم.
- الميزانيات المحدودة، فعندما يقوم القادة بتقييم فريقهم لتسريح موظفين لا حاجة لهم، فإنَّهم يميلون إلى الاحتفاظ بالموظفين الأكثر قيمة الذين يمتلكون إمكانات عالية، ويعملون بجد ولديهم خبرة واسعة، وعلى استعداد لبذل أقصى ما في وسعهم.
- يترافق بذل أقصى ما في وسعك مع إحساسٍ بالرضا مصدره بناء مهاراتك وسمعتك المهنية واحترامك لذاتك.
إذاً، كيف تبني رأس مالك المهني؟
هذا ليس بالأمر الذي يصعب القيام به، ولكنَّه يتطلب بعض الحكمة والجهد للحصول على الفوائد المذكورة أعلاه وغيرها الكثير، وكما قال خبير النجاح والمتحدث التحفيزي الأسطوري والكاتب جيم رون (Jim Rohn): "أنجز أكثر مما يُدفَع لك كاستثمار في مستقبلك؛ فالأشخاص الذين يتميزون ويجعلون من ذلك عادة يومية لديهم سيحققون مكانة عالية".
لمساعدتك على تحديد وصياغة طريقة بذل أقصى ما في وسعك في العمل لتحقيق النجاح المهني؛ نقدم لك فيما يلي بعض الاستراتيجيات البسيطة:
1. التمسُّك بأخلاقيات العمل:
لا يعدُّ بذل أقصى الجهود نشاطاً يُؤدَّى مرَّةً واحدة؛ وإنَّما عبارة عن عادة يجب صقلها، وتعزيزها مع مرور الوقت؛ بحيث تساعدك على التميز عن زملائك والمنافسين؛ وذلك لأنَّها صفة نادرة هذه الأيام.
يُعرف بذل أقصى الجهود في العمل بـ "أخلاقيات العمل"، وتعني أخلاقيات العمل تقدير العمل الجاد الذي يُؤدَّى أداءً جيداً وممارسة العمل بهذه الطريقة، وهذه صفاتٌ يبحث عنها أرباب العمل؛ فغالباً ما يبحث الناس عن طرائق سحريَّةٍ سهلةٍ ومختصرة يبذلون فيها الحد الأدنى من الجهود، ولسوء الحظ، أصبح هذا سائداً بين الناس.
يتطلب تبنِّي أخلاقيات العمل بعض الجهد، ولكن إذا أظهرت أنَّك على استعداد لتطبيق ذلك للحصول على نتائج جيدة، فستمتلك فرصاً غير محدودة.
2. إظهار قدرتك على القيادة:
يقول مارك سانبورن (Mark Sanborn) في كتابه "أنت لا تحتاج إلى لقب لتصبح قائداً" (You Don’t Need a Title to Be a Leader): "القادة الحقيقيون هم أشخاص يرغب الآخرون في اتِّباعهم".
ولأنَّ القادة يدركون أهمية وجود رؤى، فإنَّهم يقومون بالعمل اللازم لتحقيق تلك الرؤى، فعندما تعرف ما هي أهدافك حتى لو كانت غير واضحة تماماً، أنت تمتلك هدفاً محدداً وتعمل على تحقيقه، وهذا لا يساعدك على أن تصبح أكثر تركيزاً وإنتاجيةً وقدرةً على تحقيق النتائج المطلوبة فحسب؛ وإنَّما يساعدك على العمل على الأهداف لإظهار حنكتك القيادية.
ينجذب الناس إلى هذا النوع من القادة، لا سيما عندما تتمكن من مواءمة أهدافك مع أهداف الآخرين.
3. أخذ زمام المبادرة:
إذا كنت تعطي الأولوية للنجاح المهني، فلن تنطق أبداً بعبارة "هذه ليست وظيفتي"، فالطموح هو أن تتدخَّل عندما تسنح الفرصة بذلك؛ لذا ابحث عن الطرائق التي يمكنك من خلالها تقديم مساهمات لفريقك ومشرفك، وقد يتطلب ذلك قضاء بعض الساعات الإضافية أو بعض الوقت في العمل على مشروعات لا تخصك.
بغض النظر عن المهام التي يُعرَض عليك القيام بها، فإنَّ مساعدة الآخرين على النجاح هي إحدى الصفات المميزة للقائد الجيد، ولا عجب في أنَّه سلوكٌ يلفت انتباه الجميع، بينما يعد هذا السلوك الذي يَنُمُّ عن الإيثار سلوكاً مُرحَّباً به دائماً، وهو دليل جيد على سمعتك المهنية، إلا أنَّه يحظى بترحيب أكبر عندما ينسجم مع أهدافك.
على سبيل المثال، لنفترض أنَّ مديرك يعمل على تطوير تقرير الخطط الاستراتيجية الخاصة به، ولأنَّك مهتم بأمر الترقية في وظيفتك وقد يُطلب منك القيام بهذا الأمر في النهاية، فلماذا لا تعرض مساعدتك حتى لو كان الأمر يتعلق فقط بالإنصات وتقديم التغذية الراجعة أو تقديم الدعم في جلسات العصف الذهني؟
عند القيام بذلك، فإنَّك تتعلَّم مهارة مفيدة وتُثبِت لمشرفك بأنَّك قائد يسعى لبذل أقصى ما في وسعه في العمل؛ وذلك من أجل نجاح حياتك المهنية.
4. التواصل مثل الأشخاص المحترفين:
تعد مهارةُ التواصل المهارةَ الوحيدة التي نحتاج إلى صقلها دائماً؛ حيث يعد كل من التواصل الكتابي واللفظي وغير اللفظي وأسلوب العرض والتقديم والمبيعات والتفاوض، كلها مهارات هامة لتحقيق النجاح الوظيفي وتندرج تحت ما يسمى بالتواصل.
وعندما تبذل أقصى ما في وسعك، فأنت تتواصل كشخص محترف، وبمعنىً آخر، أنت تأخذ الوقت اللازم والضروري لبناء هذه المهارة وتضمن بأن يكون تواصلك مع الآخرين واضحاً وموجزاً ومناسباً ومهنياً.
وكمثال على ذلك، طريقة تعاملك مع رسائل البريد الإلكتروني؛ فالقاعدة العامة هي أن تكون الرسائل موجزة ومباشرة مع تحديد النتائج المتوقعة المحددة، وعلى الرغم من أنَّ هذا الأمر قد يستغرق وقتاً إضافياً لإعداد رسالة مكتوبة بصورة جيدة، إلا أنَّها يجب أن تحقق الهدف والنتائج المرجوة منها.
كما توجد طريقة أخرى لبذل أقصى ما في وسعك وهي أن تكون سريع الاستجابة؛ حيث تتطلب منك معظم النصوص ورسائل البريد الإلكتروني والمكالمات والرسائل النصية الرد، ولا ترتبط سمعتك المهنية بمدى تواصلك المدروس؛ وإنَّما كيف يمكن الاعتماد عليك للحصول على رد محترف وفي الوقت المناسب.
والأفضل من ذلك، اجعل ردك شخصياً أو اتصل بالشخص مباشرة، فعندما تقوم بذلك، فأنت لا تُظهِر احترافك في التواصل فحسب؛ وإنَّما تُظهِر استعدادك لتنفيذ ما هو مطلوب منك، والتعامل مع الأمور بثقة وبصورة مباشرة، كما يتيح اللقاء المباشر فرصة لمعرفة نبرة الكلام والوضوح ويُظهِر أنَّك على استعداد لبذل الجهد للقيام بما يناسب الجميع.
5. تطوير خبراتك:
يدرك الأشخاص الذين يمتلكون عقلية ناجحة أهمية صقل مهاراتهم وخبراتهم باستمرار، فإذا كنت تريد تحقيق النجاح، فيجب عليك أن تنمو وتتطور.
لا تنتظر مشرفك ليوضِّح لك التدريبات والمؤتمرات التي يجب أن تنضم إليها؛ حيث يمكنك بذل أقصى ما في وسعك من خلال البحث عن فرص لنفسك؛ لذا ابدأ كل شهر بتحديد ما الذي ستتعلمه وما هي المهارة التي تخطط لتطويرها، وضَعْ قائمة بالكتب والندوات عبر الإنترنت والمؤتمرات ومحادثات تيد (Ted) والدورات التدريبية وفرص المنتورينغ لاستثمار الوقت فيها.
والخبر السار هو أنَّ معظمها متوفر مجاناً، كما يوجد سبب مقنع آخر لوضع خطة التطوير المهني الخاصة بك والتفاعل معها، هو أنَّها تعد طريقة رائعة لبناء شبكتك الخاصة وإقناع رئيسك بعرضك السنوي.
6. بناء شبكة تواصل مفيدة:
يعد كل من التواصل الروتيني مع شبكتك الخاصة، والتعرف على أشخاص جدد، وحضور فعاليات تساعدك على التواصل مع الآخرين، والمشاركة في المقابلات الإعلامية، كلها أنشطة مطلوبة لتحقيق النجاح المهني، ويجب أن تكون كلها مفيدة للطرفين.
لا يتعلق الأمر بما يمكن أن يقدِّمه هؤلاء الأشخاص لك؛ وإنَّما كيف يمكنكم مساعدة بعضكم بعضاً، حتى لو كان الأمر يتطلب منك مجرد الاستماع أو إجراء العصف الذهني أو رفع معنويات شخص ما من خلال الاتصال به.
وتذكر أنَّ شبكة علاقاتك هي الأساس للارتقاء بحياتك المهنية، فهؤلاء هم الأشخاص الذين سيساعدونك في الحصول على الفرص المناسبة للنجاح، ولكي تكسب علاقات لطيفة، يجب أن تكون لطيفاً مع الآخرين.
سيساعدك بناء شبكة علاقات جيدة على بذل أقصى ما في وسعك في العمل؛ فعندما تتمكن من التقريب بين الناس، فهذا لا يساعدك في حل المشكلات ولكنَّه يجعلك في وضع أفضل أيضاً؛ حيث يُقدِّر الناس الجهد الإضافي وطريقة التفكير تلك وسيردُّون لك الجميل.
لذا كن مصدراً للطاقة والقوة، واستفد من شبكتك بطرائق تساعد الآخرين وتربط الأفراد الذين يمتلكون طريقة تفكير متماثلة في عملية بذل أقصى ما في وسعهم في العمل، وإذا كنت تعرف صانع قرار أساسي يمكنه أن يساعدهم في مشروع ما، فلن يمر هذا الجهد دون تقدير.
على سبيل المثال، عندما تتواصل مع مشرفك بخصوص مشروع يعمل عليه ويخبرك بأنَّه يحتاج إلى المساعدة فيه، لحُسن الحظ يمكن لأحد الأشخاص من شبكتك مساعدته، وبهذه الطريقة ستتيح المجال لتحقيق التعاون، فلا يتعلق الأمر بإجراء أي تغيير للحصول على نتيجة، وإنَّما ببناء سمعتك المهنية كشخص يبذل أقصى ما في وسعه.
أفكار أخيرة:
تكثُر الفرص التي تساعدك على بناء سمعة جيدة كقائد وخبير وشخص قادر على التواصل وزميل عمل يمكن الوثوق به، وهذه هي الصفات الشخصية التنافسية المطلوبة اليوم.
وعلى الرغم من أنَّه ليس من الصعب صقل هذه المهارات، إلا أنَّها تتطلب القليل من العمل والجهد لبذل أقصى ما في وسعك كل يوم، بحيث يمكنك تعزيزها مع مرور الوقت وبالتالي زيادة رأس مالك.
وأخيراً؛ تعد هذه الطريقة الوحيدة للنمو والتطور والحفاظ على حياة مهنية ناجحة.