لنفترض أنَّ مديرك في العمل طلب منك التحدث في مؤتمر الموظفين السنوي للشركة لمدة 15 دقيقة أمام حشد من 800 شخص، والمشكلة الوحيدة هي أنَّك تشعر بالرهبة من التحدث أمام الجمهور، فتنهك نفسك في محاولة إيجاد طريقة للتهرب من إلقاء هذا الخطاب بدلاً من الاستمتاع بفرصة التألق أمام زملائك.
إنَّ الخوف من التحدث أمام جمهور أمر شائع بين الناس؛ لكن ومع ذلك، بدلاً من أن تصبح رهينة لتلك المشاعر، يمكنك تحويلها إلى نقاط انطلاق قوية لتحقيق النجاح؛ وقبل الكشف عن كيفية القيام بذلك، لنلقي أولاً نظرة على بعض التهديدات الشائعة وردود فعلنا النموذجية عليها.
هل تعاني في التغلب على حالات التهديد؟
تخيَّل للحظة أنَّ السفر عبر الزمن أمر حقيقي، وأنَّك عدت بالزمن آلاف السنين لترى كيف عاش أجدادنا الأوائل. ستكتشف بمجرد وصولك إلى وجهتك المختارة أنَّ الحياة في ذلك الوقت كانت محفوفة بالمخاطر، وتجد اقتتالاً بين مجتمعات مختلفة وحيوانات مفترسة عليك تجنبها، وتهديد دائم بالمجاعة.
لقد طوَّر البشر خلال هذه الأوقات العصيبة ما يُسمَّى باستجابة "الكر والفر"، والتي تمثل رد فعل فيزيولوجي على تهديد أو هجوم يدفع الجسم إلى إطلاق استجابة هرمونية على الفور، حيث ينقل هذا الإفراز الهرموني الجسم إلى حالة من اليقظة البدنية القصوى، ممَّا يسمح بتعزيز حالة من "الدفاع عن النفس" أو "الهروب السريع".
في الواقع، كلتا الاستجابتين غير عقلانيتين في حياتنا كبشر؛ لكن ستكون أفضل حالاً لو فكرت في طرائق إيجابية للتعامل مع المواقف، فعلى سبيل المثال: يمكنك تطوير مهاراتك وصقل خبراتك لتبقى متقدماً على زملائك، أو يمكنك التحدث معهم مباشرة للتأكد من أهدافهم المهنية المحددة.
إنَّه لمن الضروري أن تكون قادراً على التمييز بوضوح بين المواقف المُهدِدة للحياة أو شديدة الخطورة، وبين التهديدات اليومية البسيطة كالخلافات العائلية وضغوطات العمل التي يجب ألَّا تؤدي إلى استجابة الكر والفر؛ إذ توجد دائماً فرصة لأن تصبح هذه المواقف أكثر سلبية؛ لذا بدلاً من ذلك، ابحث عن حلول غير عدوانية ومنسجمة لصراعاتك.
ستساعدك هاتان الرؤيتان البسيطتان على تعزيز نموك الشخصي:
هل التقدم الشخصي أمر هام بالنسبة إليك؟ إذا كانت الإجابة "نعم"، فأنت في المكان المناسب؛ ذلك لأنَّك ستتعلم رؤيتين فعالتين قد تغيران حياتك إلى الأفضل:
1. تمنحك التهديدات اليومية فرصة لتحفيز وتطوير نفسك:
تصوَّر أنَّك تخرجت لتوك من الجامعة، وأنَّك متحمس بسبب ما تعلمته، وبسبب الدرجات العالية التي حصلت عليها؛ ولكن مع ذلك، تكتشف بعد بضعة أسابيع من التقدم للوظائف التي تتناسب مع شهادتك الجامعية أنَّك لا تستطيع حتى الوصول إلى مرحلة مقابلة التوظيف.
ربَّما توقعت كخريج جديد أنَّ العثور على وظيفة سيكون أمراً سهلاً؛ لكن على أي حال، ستجد أنَّ هذا التوقع لا يمت إلى الواقع بصلة، ممَّا قد يدفعك إلى الشعور بالتوتر واليأس.
يكمن حل هذه المعضلة في تحديد مكمن الخطأ؛ ولفعل ذلك، يجب عليك إجراء تحليل "سووت" (SWOT) الشخصي، والذي يُعنَى بتحديد نقاط القوة (strengths) والضعف (weaknesses) والفرص (opportunities) والتهديدات (threats)، حيث يُمكِّنك إجراء هذا التحليل من التفكير في نقاط قوتك وضعفك الشخصية، والفرص المتاحة لك، والتهديدات الخارجية التي قد تواجهها؛ وبمجرد الانتهاء من هذا التحليل، يجب أن تكون قادراً على تحديد الإيجابيات والسلبيات الرئيسة بوضوح.
بالعودة إلى مثال البحث عن وظيفة أعلاه، فإنَّه لمن المرجح أن يشير التحليل الذي أجريته إلى أنَّ نقطة ضعفك الرئيسة هي نقص الخبرة في العمل؛ ولمواجهة ذلك، يمكنك عرض العمل مجاناً لبضعة أسابيع، أو ربَّما قبول دور وظيفي أقل يساعدك في بدء حياتك المهنية؛ إذ يجب النظر إلى التهديدات اليومية على حقيقتها، فما هي إلَّا فرص للتقدم في الحياة.
2. يمكنك تجاوز منطقة راحتك عندما تتقبَّل التهديدات:
ربَّما سمعت عن مصطلح منطقة الراحة؛ ولكن إن لم تكن على دراية به، فإليك هذا الشرح الموجز: إنَّ منطقة الراحة هي المكان الذي تشعر فيه بالراحة النفسية والعاطفية، وتكون فيه أبعد ما تكون عن الألم.
على سبيل المثال: إذا كنت تشغل وظيفة لا تحبها، فقد تواجه صعوبة في البحث عن وظيفة أخرى تلبي طموحاتك؛ ومهما كانت رغبتك عارمة في تغيير هذه الوظيفة، فيوجد شيء ما في داخلك يعيقك لكونك تشعر بعدم الاستقرار، ولكن ربَّما ستشعر بالراحة عندما تُعرَض عليك فرصة عمل أفضل.
إنَّ مشكلة مناطق الراحة هي أنَّنا نحصر أنفسنا بداخلها؛ وبمجرد حدوث ذلك، يتضاءل طموحنا ودافعنا، وتبدأ عمليات تفكيرنا بالتدهور؛ لذلك، يمكن أيضاً تسمية مصطلح منطقة الراحة بمنطقة عدم الاكتراث.
لحسن الحظ، يمكنك استخدام التهديدات لمساعدتك في الخروج من منطقة راحتك؛ وكمثال على ذلك: فكر في وقت واجهت فيه مشكلة مع أحد الجيران، فقد يكون السبب أنَّهم كانوا يصدرون ضوضاء في وقت متأخر من الليل، أو أنَّ سيارتهم كانت تقف دائماً في ممر سيارتك.
بالنسبة إلى معظمنا، تمنعنا منطقة الراحة من التحدث مباشرة إلى جيراننا حول هذه المشكلات؛ لكن من خلال تقبُّل المشكلة، يمكنك استخدامها كفرصة لزيادة ثقتك بنفسك وجرأتك، وستخرج بفعل ذلك من منطقة راحتك، وقد تتمكن من حل المشكلة مع جيرانك في الوقت نفسه.
تتضمن الطرائق الأخرى للخروج من منطقة الراحة ما يأتي:
- مواجهة مخاوفك.
- تجربة شيء جديد.
- التحرك نحو الهدف.
- تغيير طريقة تفكيرك.
- القيام بالأمور اليومية على نحو مختلف.
يكمن سر كل هذه التقنيات في البدء بأمور بسيطة، ثمَّ الانتقال إلى الأمور الأكثر تعقيداً؛ لتُنمِّي من خلال القيام بذلك عادة من شأنها توسيع آفاق معتقداتك وأهدافك باستمرار.
ستجد التهديدات في كل مكان، ولكن لا يجب اعتبارها أمراً سلبياً، بل عليك تقبُّلها والتعلم منها، والمضي قدماً في رحلة تقدمك الشخصي بأقصى سرعة ممكنة.