لماذا أنت حزينٌ إلى هذا الحد؟ أنت تتقاضى راتباً أليس هذا صحيحاً؟ وراتبك جيّد أليس كذلك؟
أنا أعرف لماذا أنت حزينٌ إلى هذه الدرجة: لأنَّك تكره الذهاب إلى العمل كل يوم، وتقضي استراحة الغداء في مكتبك، وبابك مغلق، وعيونك ملأى بالحزن، وبعد الرجوع إلى المنزل تجلس وحيداً وتنفِّس عن مشاعر التوتر التي تُحِس بها بتناول الطعام كما لم يتناول أحدٌ طعامه قط، أو تكتفي بالذهاب إلى السرير وإعادة التفكير مراراً وتكراراً بالأحداث التي عِشْتها خلال اليوم.
ملاحظة: هذا المقال مترجم للمحرّرة كريستين ماكبيك.
السيء في الأمر أنَّ حدوث ذلك في العمل لا يُعَدُّ أمراً نادراً، إذ أظهرت نتيجة إحدى عمليات التصويت التي أجرتها مؤسسة (جالوب) في عام 2017 أنَّ 85% من البالغين حول العالم يكرهون وظائفهم. وأشارت نتيجة التصويت إلى أنَّ 30% من الأمريكيين يحبون أعمالهم، وهذا يُبيِّن أنَّ النسبة لديهم أفضل من نسبة نظرائهم حول العالم لكنَّه يعني على الرغم من ذلك، أنَّ 70% من الأمريكيين لا يستمتعون بالـ 40 ساعة أو أكثر التي يقضونها في العمل كل أسبوع.
إذا كنت واحداً من الـ 70% فقد فكرت على الأرجح في البحث عن مكانٍ آخر تكسب منه لقمة عيشك وتجني فيه المال حتى تتمكن من دفع الفواتير، لكن في أيَّة مرحلةٍ بدأت البحث عن عملٍ جديد؟ وفي أيَّة مرحلةٍ استسلمت وقررت ترك العمل؟ قد يكون من الصعب إعطاء جواب واضح عن هذا السؤال، وقد يكون الجواب واضحاً وضوح الشمس، الأمر يعتمد على صعوبة الموقف الذي تعيشه.
كيف وصلْتَ إلى هذه المرحلة؟
خلال عملي الذي امتد 25 عاماً في مجال التعليم العالي، عملْتُ في 9 وظائف مختلفة في تسع جامعات وسبع ولايات مختلفة. حينما كنت أحكي ذلك للآخرين كنت أرى نظراتٍ غريبةً في بعض الأحيان، وكان بعضهم يصيح معبراً عن اندهاشه، لكنَّ مسيرتي المهنية لا تختلف كثيراً عن المسارات المهنية للأشخاص العاديين في أميركا، إذ يذْكُر موقع (Balance Career) أنَّ الموظف العادي يغير عمله 10- 15 مرة ما يعني أنَّ عدد المرات التي غيرت فيها عملي يُعَدُّ أقل من المتوسط.
لكن يبقى من الغريب أن تترك عملك بكامل إرادتك بعد أن تبدأ بـ 9 شهور مثلما فعلت في أوائل عام 2000، إذ على الرغم من أنَّني كنت لا أزال أعمل، إلَّا أنَّني بدأت أُعِدُّ خطةً لترك العمل بعد مدةٍ قصيرة من بداية الشهر الخامس لي في الوظيفة.
هل كنت أشعر بالحزن؟ لا ليس بالضبط، لكنَّني لم أكن أشعر أيضاً أنَّ الشخص الذي يتحمل مسؤولية الإشراف علي يوفر لي الدعم، وكانت مسألة ملائمة العمل لي تؤرقني بشكلٍ دائم. وعلى الرغم من أنَّ وضعي لم يكن وضعاً لا يمكن احتماله، لكن ثمَّة قشةً قسمت ظهر البعير ودفعَتْني إلى البحث أسبوعياً عن عملٍ في مجال التعليم العالي.
لكنَّني أدرك تماماً أن بعضكم يعيش وضعاً يشبه ما تحدثت عنه بداية المقال لذلك أطلب من هؤلاء أن يتابعوا معي القراءة.
لماذا يبقى الناس في وظائفهم على الرغم من شعورهم بالتعاسة؟
إلى أولئك الذين يعملون في وظائف تعيسة تجعلهم يبكون، ويكتئبون، ويتناولون الطعام للتنفيس عن مشاعر التوتر التي يُحسُّون بها كيف ستجيبون عن ذاك السؤال؟ وهل تبدو أيٌّ من هذه الإجابات مألوفةً بالنسبة إليكم؟
1. لأنَّ هذه الوظيفة كانت أوَّل وظيفةٍ تُعرَض عليك بعد التخرج من الجامعة:
حينما كنت في السنة الأخيرة في الجامعة، كنت أنا وصديقي مُصِرَّين على أن نعمل في وظيفةٍ قبل التخرج، وكنت أنا متلهفاً للانتقال إلى شيكاغو لأنَّها المدينة التي ولدت فيها.
أجريْتُ في شيكاغو ثلاث مقابلات عمل رائعة كانت جميعاً في مدارس خاصة، لكنَّني لم أحصل على أيِّ وظيفةٍ منها وذهبَتْ جميعاً إلى مرشحين آخرين. وقد أتى شهر نيسان وبقي أقل من شهرٍ على موعد حفل التخرج، وآخر مقابلة عملٍ أجريتها كانت في جامعةٍ في واشنطن.
حينما عُرِضَتْ عليَّ الوظيفة راجعْتُ خياراتي: إمَّا أن أقبل الوظيفة وإمَّا أن أرفضها وأبحث عن عملٍ آخر. لو أنَّني اخترت الخيار الثاني لجعلني هذا الشخص الوحيد في الجامعة الذي لم يحصل على عملٍ قبل حفل التخرج، وهذا ما كان يمكن أن يحصل. قبلْت الوظيفة وانتقلْتُ إلى واشنطن وتزوجْتُ هناك أيضاً وقابلت أفضل أصدقائي وتركت الوظيفة بعد عامين.
2. لأنَّ الراتب الذي تأخذه أفضل راتبٍ حصلت عليه:
لم أحظى قطُّ برفاهية اختيار الوظيفة اعتماداً على الراتب الذي تقدمه، لكنَّ كثيراً من أصدقائي حظوا بها، وقد انتقدت أحد أصدقائي بقسوةٍ في الواقع لأنَّه فَضَّلَ الراتب على جودة بعض القضايا المرتبطة بالحياة عند اختياره الوظيفة التي يعمل فيها.
لا يمكنني أن أقول لك ألَّا تقبل وظيفةٍ إذا كان الراتب فيها جيداً، ولكن إذا كان الراتب هو السبب الوحيد الذي جعلك تختار تلك الوظيفة، فيجب عليك أن تحاول البحث عن سببٍ وجيهٍ آخر يبرر قبولك بها.
تأكَّد من أن يكون لديك ما يواسيك إذا تبيَّن لك أنَّ العمل فظيع.
3. أصدقاؤك يعملون هناك:
من ذا الذي لا يريد أن يعمل مع أصدقاءه، أليس هذا صحيحاً؟ لا سيما إذا كان أحدهم أو أكثر يعيش أو يعيشون تجربةً رائعة وكانوا متحمسين جداً لأنَّك ستعمل معهم أيضاً.
تذكَّر أنَّ السبب الذي جعل صديقك يقبل الوظيفة قد لا ينطبق على أسبابك، وقد يكون وجود ذاك الصديق في العمل الحسنة الوحيدة في تلك الوظيفة.
4. والداك (أو زوجتك، أو المشرف عليك) أخبراك أن تقبل بها:
التأثير الخارجي ليس خارجياً دائماً، إذ من الصعب أن تقول للناس القريبين منك أن يدعوك وشأنك حينما يتعلق الأمر باختيار وظيفة. لكن بالنسبة إليهم من السهل أن يقولوا لك: "اقبل بها"، أليس صحيحاً؟ لأنَّهم لن يُضطروا إلى الذهاب إليها يومياً.
يمكن أن يكون الضغط الذي يمارسه علينا أولئك المقربون منا قاسياً بالفعل، لكنَّ القرار قرارك في النهاية. فإذا قبلت بوظيفةٍ كهذه لن تكون مضطراً إلى البحث عن طريقة لترك العمل فقط، بل ستكون مضطراً أيضاً للبحث عن طريقة لنقل الخبر إلى الأشخاص الذين يمارسون الضغط عليك.
5. كنت تخشى من ألَّا تأتيك أيُّ عروض عملٍ أخرى:
يمكنك ربط هذا السبب مع القصة التي تحدثت عنها في أول نقطة، فحينما تكون متلهفاً فعلاً للعثور على عملٍ ما لأنَّك تحتاج إلى الخروج من الوضع المزري الذي أنت فيه، أو إذا كنت قد سئمت من حضور مقابلات العمل قد يكون عرض العمل الأول هذا هديةً إلهية وقد يكون نافذة الفرج.
لقد عِشْتُ مثل هذا الموقف من قبل إذ إنَّني في الأساس لم أكن أخطط لترك سابع وظيفة عملتُ فيها، لكن حينما أخبرني المشرف أنَّ هذا أكبر تقدمٍ يمكنني أن أحرزه في تلك المنظمة، فكرت ملياً في إذا ما كان البقاء في العمل فكرةً جيدة. تقدمت لوظائف تتيح لي التطور وتمنحني إضافةً إلى ذلك راتباً أفضل، وحينما قُبلْتُ في إحداها أصابني خوفٌ شديد حرمني من النوم يومين كاملين لكنَّني في النهاية قبلت الانتقال إلى تلك الوظيفة.
أسئلة يجب عليك أن تطرحها على نفسك إذا كنت لا تشعر بالسعادة في عملك:
بعد أخذ كل ما قلناه في الحسبان إليك بعض الأفكار المرتبطة بترك الوظيفة، إذا كنت تحصل على راتبٍ جيد لكنَّك لا تشعر بالسعادة:
1. ما هو تحديداً الأمر الذي يجعلك غير سعيدٍ في عملك؟
أهو العمل نفسه؟ أم طريقة الذهاب يومياً إلى العمل؟ أم زملاؤك؟ أم الراتب؟ أم عدم وجود آلة صنع القهوة وعدم تمكَّنك من الخروج لاحتساء القهوة؟
اذكر بشكلٍ مفصَّلٍ الأمور التي تجعلك غير سعيدٍ في عملك، ثمَّ فكر فيما إذا كنت تمتلك أيَّة قدرةٍ على تغيير تلك الأمور. إذا كنت لا تحب العمل نفسه على سبيل المثال، لكنَّك تحب المشرف اجلس معه وتحدثا عن الأمر بشكلٍ مفصَّل، إذ ربما يكون في حاجةٍ إلى سماعك تقول أنَّك غير راضٍ عن عملك.
وإذا كان زملاؤك أشخاصاً غير إيجابيين أو إذا كنت غير منسجمٍ معهم، أثمَّة إمكانية لتغيير الفريق أو الانتقال إلى قسمٍ مختلف؟
لا تتخذ قراراً بترك العمل إذا لم يكن في إمكانك تحديد السبب الذي يدفعك إلى تركه.
2. أيُرضي مجال عملك الحالي شغفك ويحقق أحلامك؟
لقد عملْتُ في جوانب معينة لها علاقة بالتعليم العالي وشؤون الطلاب مدةً تزيد عن 20 عاماً، وأستطيع القول أنَّ مناصبي خلال 15 عاماً منها (في مختلف مراحل حياتي) كانت تحقق لي أحلامي، وفي الأوقات التي كنت أشعر فيها أنَّني في المكان الخطأ كنت أسعى سريعاً إلى ترك الوظيفة.
وكان الجزء المُحب للكمال في شخصيتي يقول لي دوماً: إنَّنا نعمل بجدٍّ يومياً ونقوم بشيءٍ لا نستمتع به فلماذا تبقى في منصبٍ لا يُرضي شغفك ولا يحقق أحلامك؟
3. هل أنت مستعدٌّ للانتقال إلى منصبٍ جديد يعطيك المكانة نفسها التي كان يعطيك إيَّاها المنصب القديم؟
أتذكر محادثةً أجريتها مؤخراً مع مستشارٍ حول الفكرة التي تقول: "أتفضِّل أن تكون مستقيماً أم أن تكون سعيداً؟".
هل ستشعر بالسعادة بالانتقال إلى منصبٍ يمنحك المكانة نفسها التي كنت تتمتع بها في منصبك السابق؟ أم أنَّك تفضل البقاء في منصبك وانتظار علاوة أو ترقية؟
يعني اختيار السعادة في جزءٍ منه أن تقبل الانتقال إلى منصبٍ جديد يعطيك المكانة نفسها التي كنت تحظى بها في منصبك السابق، وبذلك تُضطر إلى الانتظار قليلاً قبل تحقيق طموحاتك حتى تتخلص من المكان السيء الذي يسبب لك حالياً الشعور الحزن.
4. ألديك خطة؟
إذا لم يكن لديك عمٌّ ثريٌّ في مكانٍ ما يستطيع أن يوفر لك الدعم، فأنت على الأرجح لست في موقفٍ يسمح لك بالذهاب إلى مكتب المشرف وتقديم الاستقالة في الحال. أنت في حاجةٍ إلى خطة.
أتستطيع تحمل تكلفة البقاء شهراً أو يزيد دون عمل للقيام ببعض عمليات البحث واكتشاف الذات؟ أيعني ترك الوظيفة ترك مجال العمل أيضاً وتجريب مجالٍ جديد؟ هل ستحتاج إلى تحديث سيرتك الذاتية وإخبار الأشخاص الذين تعرفهم أنَّك تبحث عن عمل؟ ثمَّة الكثير من الأمور التي يجب عليك أخذها في الحسبان حينما تبدأ التفكير في ترك الوظيفة.
لقد تركْتُ الوظيفة مرةً واحدة دون أن يكون ثمَّة وظيفةٌ جديدة تنتظرني في مكانٍ ما، واحترمت في الوقت نفسه رغبة زوجتي في تغيير المكان (من أجل البحث عن منطقةٍ تتمتع بطقسٍ أكثر دفئاً)، وقد كانت تتقبل بصدرٍ رَحِب جميع أخبار تنقلاتي السابقة الأخرى (وكنت في تلك المرحلة في الوظيفة الرابعة).
انتقلنا من إلينوي إلى أريزونا وأعددنا شيئاً يشبه الخطة، لكنَّني استأجرت شقةً بشكلٍ مؤقت مدة ستة شهور تقريباً إلى أن عثرت على عملٍ شعرْتُ أنَّ بقائي فيه سيكون دائماً، ولو أنَّني أستطيع العودة إلى الوراء والقيام بكل ما فعلت مرةً أخرى لعدَّلتُ هذه الخطة قليلاً.
خلاصة القول:
أنت الوحيد الذي تستطيع اتخاذ قرار بشأن ترك الوظيفة، ويجب عليك أن تكون قادراً على اتخاذ ذلك القرار وقبول نتيجته مهما كان مصيرك، لكن ادرس العوامل المحيطة بالقرار جيداً في البداية، وتحدث مع أصدقائك وأفراد عائلتك المقربين.
قد يكون الوضع أفضل حالاً في الطرف المقابل لا سيما إذا كان لديك الوقت لتهيئة الظروف المناسبة.