لقد حددت "إليزابيث لوفتوس" (Elizabeth Loftus) -إحدى أشهر علماء الذاكرة في عصرنا الحالي- أربعة أسباب رئيسة للنسيان هي:
- فشل الاسترجاع.
- تداخل المعلومات (التشويش).
- فشل التخزين.
- النسيان المحفَّز.
1. فشل الاسترجاع:
هل سبق وشعرت أنَّ جزءاً من المعلومات قد تلاشى من ذاكرتك، أو ربَّما تعلم أنَّه موجود إلَّا أنَّك تجاهد لتذكره دون فائدة؟
يعدُّ عدم القدرة على استرداد المعلومات المخزنة في ذاكرتنا أحد أكثر أسباب النسيان شيوعاً؛ فلماذا إذاً لا نستطيع استرداد المعلومات من ذاكرتنا؟
يُعرَف أحد التفسيرات المحتملة لفشل استرداد المعلومات بنظرية التلف، والتي تقترح أنَّ الذكريات تتضاءل بمرور الوقت؛ وإذا لم تُستذكَر المعلومات كل فترة، تستمر في الاضمحلال حتى تتلاشى تماماً في نهاية الأمر.
ومع ذلك، فإنَّ إحدى مشكلات هذه النظرية هي أنَّ بعض الذكريات تبقى مستقرة بشكل ملحوظ في الذاكرة طويلة الأمد رغم عدم التدرب عليها أو تذكرها بشكل متكرر، وذلك حسب الأبحاث التي أُجرِيت في هذا المجال.
2. تداخل المعلومات (التشويش):
تشير نظرية أخرى تُعرَف باسم نظرية التداخل إلى أنَّ بعض الذكريات تتشابك وتتداخل مع ذكريات أخرى، ومن المرجح حدوث التداخل عندما تكون المعلومات الجديدة مشابهة جداً لمعلومات قد خُزِّنت سابقاً في الذاكرة.
هناك نوعان أساسيان من التداخل:
- التداخل الاستباقي: يحدث عندما تسيطر الذاكرة القديمة، فتجعل من الصعب أو المستحيل تذكر ذاكرة جديدة.
- التداخل الرجعي: يحدث عندما تتداخل المعلومات الجديدة مع قدرتك على تذكر المعلومات القديمة.
بينما يجعل التداخل تذكر الأشياء صعباً، إلَّا أنَّه يمكنك القيام ببعض الأمور للتخفيف من أثره؛ وغالباً ما يكون التمرُّن على المعلومات الحديثة هو النهج الأكثر فاعلية؛ إذ من خلال الإفراط في تعلم الأشياء الجديدة والتركيز عليها، سيكون من غير المرجح حدوث تنافس بين المعلومات القديمة والجديدة.
3. فشل التخزين:
لا يكون لفقدان المعلومات في بعض الأحيان علاقة بالنسيان، بل بحقيقة أنَّها لم تصل إلى الذاكرة طويلة الأمد في المقام الأول؛ كما يمنع فشل التشفير أحياناً المعلومات من الدخول إلى الذاكرة طويلة الأمد.
طلب الباحثون من المشاركين في إحدى التجارب المعروفة تحديد العملة الصحيحة من مجموعة من القطع النقدية غير الصحيحة. جرِّب إجراء هذه التجربة بنفسك عن طريق محاولة رسم إحدى القطع النقدية اعتماداً على ذاكرتك ومقارنتها بالقطعة الصحيحة.
إنَّه لمن المحتمل أن تتمكن من تذكر الشكل واللون، لكنَّك ربَّما ستنسى تفاصيل أخرى بسيطة؛ والسبب في ذلك هو أنَّ التفاصيل الضرورية فقط أدخلت في دماغك لتمييز القطعة التي اخترتها عن العملات المعدنية الأخرى في ذاكرتك طويلة الأمد.
لا يتطلب تحديد قطعة واحدة معرفة الصورة الدقيقة أو الكلمات الموجودة على العملة المعدنية؛ ونظراً إلى أنَّ هذه المعلومات ليست ضرورية حقاً، فمن المحتمل أنَّك لم تأخذ الوقت الكافي لحفظها وتخزينها في ذاكرتك أصلاً.
4. النسيان المحفَّز:
قد نعمل أحياناً بنشاط لنسيان ذكريات معينة، خاصة تلك الأحداث أو التجارب المؤلمة أو المزعجة.
يمكن أن تكون الذكريات المؤلمة مزعجة ومثيرة للقلق؛ لذلك هناك أوقات قد نرغب في التخلص منها من ذاكرتنا؛ والشكلان الأساسيان للنسيان المحفَّز هما: الكتمان وهو شكل واعٍ من النسيان، والكبت وهو شكل من أشكال النسيان اللاواعي.
ومع ذلك، فإنَّ مفهوم الذكريات المكبوتة غير مقبول عالمياً من قبل جميع علماء النفس؛ وتتمثل إحدى مشكلات الذكريات المكبوتة في أنَّه من الصعب -إن لم يكن من المستحيل- إجراء دراسة علمية لمعرفة ما إذا كانت الذاكرة مكبوتة فعلاً أم لا.
يمكن الإشارة أيضاً إلى أنَّ الأنشطة العقلية -مثل التمرين والتذكر- طرائق هامة لتقوية الذاكرة، وأنَّ ذكريات أحداث الحياة المؤلمة أقل احتمالية للتذكر أو المناقشة أو التدريب.
كلمة أخيرة:
في حين أنَّ النسيان شيء يصعب تجنبه، إلَّا أنَّ فهم أسبابه قد يكون مفيداً لنا جميعاً؛ فقد ننسى لأسباب معينة، وقد يؤثر عدد من العوامل في ذاكرتنا، كما يمكن أن يصبح وضع استراتيجيات تحسين الذاكرة أفضل عند فهم بعض العوامل التي تؤثر في النسيان.