يعيش كل شخص منا هاجس إثبات النفس في العمل والمجتمع، فلا أحد يرغب أن يبقى على هامش الحياة؛ بل كلنا يطمح للنجاح، وأن يكون شخصاً له قيمته وتأثيره في مكان عمله وفي مجتمعه عموماً، فقد لا نستطيع تغيير العالم، لكن على الأقل علينا أن نصنع فرقاً في حياة مَن حولنا.
إثبات النفس في العمل:
تعد بيئة العمل مكاناً ليس بالسهل ليتمكَّن الإنسان من إثبات نفسه فيها، فهو بحاجة إلى اتباع قواعد معينة، من أهمها:
1. الهدف: تحديد الهدف هو أول خطوة في طريق النجاح وإثبات النفس في العمل؛ فالإنسان بدون هدف وبدون أن يعرف ما هي وجهته ولا ماذا يريد، ولا إلى أين يريد الوصول، كالورقة في مهب الريح تتقاذفها يُمنةً ويُسرة؛ لذا يجب عليه أن يرسم لحياته هدفاً واضحاً، لا يتنازل عنه، ويسعى إلى بلوغه.
2. الثقة بالنفس: ليُثبت الإنسان نفسه في العمل، يجب أن يكون واثقاً بنفسه، وبقدراته وإمكاناته، وبأنًّه قادر على الوصول إلى ما يريد، فلا يسمح لظرفٍ أو أحد أن يُزعزع ثقته بنفسه.
3. تطوير المهارات: المعرفة هي أساس كل نجاح، وعلى الإنسان أن يتعلَّم طوال حياته، ولا يتوقف عن العلم والمعرفة، وأن يسعى إلى تطوير نفسه واكتساب مهارات جديدة تجعله أكثر تمكُّناً وتميزاً في العمل، فمثلاً يبدأ بالتعلم عن طريق الإنترنت، أو يتبع دورات في تنمية النفس والمهارات.
4. الشغف: الشغف من أهم مفاتيح النجاح، ومَن لا يملك الشغف سيبقى في مكانه، فالشغف يدفع الإنسان إلى الإبداع والابتكار في عمله، وتقديم أفضل ما لديه.
5. التفكير الإيجابي: أحد أهم أسرار النجاح وإثبات الذات في العمل، أن يفكر الإنسان بطريقة إيجابية، ولا يترك الأمور السلبية تُحبطه؛ بل ينظر دائماً إلى النصف الملآن من الكأس، ويكون مدركاً أنَّ العقبات أمر طبيعي في حياتنا، ويجب تقبُّلها وتجاوزها؛ بل وعدها دروسٍ لنا.
6. التصالح مع الذات: ليتمكَّن الإنسان من التطور وإثبات نفسه في العمل، لا بد أن يتصالح مع نفسه، ويتقبَّل نقاط ضعفه دون الشعور بالندم أو الذنب تجاهها؛ بل يجتهد لتجاوزها وتحسينها، ويُدرك أنَّ الكمال صفة لا يمتلكها أحد، وأنَّ الجميع لديه نقاط قوة ونقاط ضعف.
7. الثبات الانفعالي: من أهم الأشياء التي يجب أن يمتلكها الإنسان ليتمكن من التميز وإثبات نفسه في العمل هي الثبات الانفعالي، أي يمتلك القدرة على التحكم بانفعالاته، والسيطرة على ردات فعله، فالهدوء سمة من سمات الناجحين؛ إذ غالباً ما تكون نتائج العصبية والانفعال قرارات وتصرفات خاطئة.
8. فصل الحياة الشخصية عن العمل: من أكبر الأخطاء التي يقع فيها الإنسان وتُعيقه عن النجاح وإثبات النفس في العمل، هي نقل حياته ومشكلاته الشخصية إلى العمل؛ لأنَّ ذلك يُفقده تركيزه ويُشتت ذهنه؛ لذا من أراد التميز وتحقيق ذاته لا بد أن يترك حياته الشخصية على باب مكتبه، ويدخل.
9. الإخلاص في العمل: لن يستطيع الإنسان النجاح وإثبات نفسه في عمله ما لم يُخلص لهذا العمل، والإخلاص يكون بالالتزام بالوقت وعدم إضاعته في أشياء لا تنفع العمل، وبتنفيذ المهام المطلوبة بإتقان ودقة.
10. الابتعاد عن الثرثرة: تكثر الثرثرة في أماكن العمل، ونقل الأحاديث والقيل والقال، ومن أراد النجاح وإثبات نفسه، يجب أن يبتعد عن هذه الأجواء؛ وذلك لأنَّها تشتت تركيزه وتُلهيه عن هدفه.
11. العمل بذكاء: أن يعمل الإنسان بذكاء، فيُفكِّر كيف يُسهل على نفسه العمل، وكيف يُقلل من الوقت المستهلك لإنجازه، وأن يُنجز العمل المطلوب منه بدقة وتميُّز عن النمط الاعتيادي المعروف، حتى لو كان العمل المطلوب بسيطاً جداً.
12. عدم التحدث كثيراً: هناك مثلٌ صيني يقول:" السمكة التي تُغلق فمها، لا يستطيع أحد صيدها"، وهذا يعني أن الكلام الكثير عبارة عن أخطاء كثيرة، فكلما تكلَّم الإنسان أكثر، أخطأ أكثر؛ لذا فالقاعدة الذهبية في العمل: هي أن نعمل كثيراً ونتكلَّم قليلاً.
13. عدم الاختباء وراء الأعذار: من قواعد النجاح وإثبات الذات في العمل؛ أن يتحمَّل الشخص مسؤولية تصرفاته وأفعاله تحمُّلاً تاماً، ولو ارتكب أخطاء أو فشل في أمرٍ ما، يجب ألَّا يختلق الحجج والأعذار؛ بل يعترف بخطئه وتقصيره، ويتحمَّل المسؤولية، ويعتذر إن لزم الأمر.
14. اتخاذ القرارات: لا يمكن تحقيق إثبات الذات في العمل بدون القدرة على اتخاذ القرار؛ لذا يجب أن يكون الشخص واثقاً من نفسه ولا يتردد في اتخاذ قراراته، ولا يحتاج إلى تأكيد الآخرين لها أو مصادقتهم عليها.
15. حسن الإصغاء: من لا يسمع لا ينجح، هذه القاعدة من أهم قواعد النجاح في العمل وفي كل شيء في الحياة، فالإصغاء الجيد إلى ما يقوله الآخر، يجعل الإنسان قادراً على تقديم إجابات مناسبة، ويساعده على التعلُّم؛ فالمُستمعون هم الذين يُكوِّنون الخبرات.
16. الصبر: لا يأتي النجاح في يوم وليلة؛ بل هو حصيلة أيام وربما سنوات من التعب والاجتهاد والعمل؛ لذا يحتاج الإنسان إلى أن يكون صبوراً في عمله، ولا يستعجل قطف الثمار.
17. النظرة إلى الفشل: من أهم مفاتيح إثبات النفس في العمل، هي نظرة الإنسان إلى الفشل، أن ينظر إليه على أنَّه فرصة للتعلُّم، وأنَّ لا نجاح بدون فشل، فينهض أقوى بعد أي سقوط وأكثر عزيمةً على المتابعة.
18. لغة الجسد: من أراد إثبات نفسه في العمل، لا بد أن ينتبه إلى لغة جسده، بحيث يعكس من خلالها القوة والاحترام في الوقت نفسه، مثل: طبقة صوته، وتعابير الوجه، وحركات اليدين، والتواصل البصري مع المتحدث، والوقوف، والمصافحة باليد.
19. تقبُّل النقد: من أهم قواعد النجاح وإثبات النفس، أن يتقبَّل الإنسان النقد البناء الذي يهدف إلى التطوير والتصحيح وليس النقد لمجرد النقد، ويرى فيه فائدة له، فمن لا يتقبَّل النقد والملاحظات لا يتطور ويبقى مكانه.
20. العمل بروح الفريق: من أراد النجاح وإثبات نفسه في عمله، لا بد أن يتحلى بالعمل بروح الفريق، ويبتعد عن الأنانية، فيتبادل المعلومات والمعرفة مع زملائه الأكثر خبرة، يُساعدهم ويُساعدوه في حل المشكلات؛ فالنجاح في العمل لا بد أن يكون نجاحاً جماعياً.
21. مرافقة الناجحين: يتأثر البشر بغيرهم، وتنتقل الصفات بالمُصاحبة؛ لذا من الهام أن يلتفَّ الإنسان حول أناسٍ ناجحين مميزين، ذوي أهداف ووجود مجتمعي؛ لأنَّ ذلك سيُحفِّزه على السير في طريق التميز نفسه وتحقيق الذات.
إثبات النفس في المجتمع:
عندما يُثبت الإنسان نفسه في عمله، تلقائياً يكون قد أثبت نفسه في مجتمعه؛ وذلك لأنَّه من خلال عمله يخدم مجتمعه ويُقدِّم الفائدة له، وإضافةً إلى ذلك هناك بعض القواعد الاجتماعية التي تعزز من مكانة الإنسان في مجتمعه، وتساعده على النجاح وكسب محبة من حوله، وهي:
- البصمة في المجتمع: يجب على الإنسان أن يضع بصمة في مجتمعه، يتذكَّره بها غيره فيما بعد، وقد تكون هذه البصمة عملاً مفيداً أو أفكاراً خلَّاقة تصنع فرقاً في حياة الآخرين.
- الانضمام إلى الأعمال التطوعية: ليكون الإنسان أكثر فاعلية في مجتمعه، من الضروري أن يقوم بأعمال تطوعية، ذات أهداف نبيلة، تكون غايتها تقديم الخير والمساعدة دون مقابل، كالانضمام إلى جمعيات خيرية تعمل في رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، أو الانضمام إلى فريق يُعنى بتقديم المساعدة والدعم للفقراء والمحتاجين، أو دعم قضايا اجتماعية، كدعم النساء المعنَّفات، أو أطفال الشوارع، والمشاركة في أي نشاط يُفيد المجتمع.
- التعاطف: لا تستمع فقط بأذنيك بل استمع بقلبك أيضاً، لا يكفي أن يستمع الإنسان لقصص أو معاناة الآخرين؛ بل يجب أن يُبدي لهم التعاطف واحترام ما يشعرون به، وقول كلمات من قبيل: "أنا آسف لسماع ذلك"، "إذا كنت تريد التحدث، فأنا سعيد للجلوس والاستماع".
- الابتسامة: الابتسامة هي مفتاح القلوب، فالإنسان ذو الوجه المبتسم يكسب محبة الآخرين؛ وذلك لأنَّه يترك انطباعاً لديهم بالود والدفء.
- المسامحة والغفران: لينجح الإنسان في علاقاته مع أبناء مجتمعه، لا بد له من المسامحة والغفران، والابتعاد عن الحقد والبغضاء، وتصيُّد أخطائهم؛ بل على العكس أن يُحاول دائماً التماس الأعذار والتبريرات لهم ومسامحتهم على زلاتهم.
- الأمانة والصدق: ليُثبت الإنسان نفسه ويكسب محبة واحترام من حوله، يحتاج أن يكون صادقاً وأميناً، لا يكذب، ولا يغش أو يستغل أحداً، أو يتبع أساليبَ ملتوية للوصول إلى غاياته.
- التعاون: التعاون هو أحد أهم الطرائق وأكثرها فعالية لتنجح في محيطك، فالشخص الأناني الذي لا يُفيد أحداً، ولا يتعاون مع غيره سينفضُّ الناس من حوله وسيفشل حكماً؛ فالإنسان بحاجة إلى التعاون مع غيره وتبادل الخبرات والأفكار لتحقيق النجاح.
- اللطف والتهذيب: أن يكون الإنسان لطيفاً مهذباً أحد أهم الأسباب التي تجعله ذو احترام ومكانة في مجتمعه، فالشخص الفظ والمتعجرف مهما حقق من نجاحات مهنية لن يحظَ بالقبول المجتمعي، فكم مقدار الجهد الذي يتطلبه قول كلمة "شكراً" لأحد قدم لنا مساعدة، أو "اعتذر عما حصل" في حال حصول سوء تفاهم مع أحدهم!
- الانفتاح وتقبُّل الآخر: ليكون الإنسان ناجحاً في حياته وعلاقاته لا بد أن يكون منفتحاً، يتقبَّل التغيير، والتجديد، واختلاف الآخر عنه، ويرى في ذلك غنى له ولمداركه وخبراته.
- كن أنت: أن يكون الإنسان عفوياً، وعلى سجيته، وبعيداً عن التصنع، فمن شأن ذلك أن يُقرِّبه من الآخرين، ويجعله شخصاً مريحاً ومُفضَّلاً بالنسبة إليهم.
- المبادرة: أن يتحلى الإنسان بروح المبادرة، في تقديم المساعدة، والاعتذار، والتعارف؛ فالشخص المُبادر يحظى بمكانة في مجتمعه.
في الختام، لا تكن على هامش الحياة:
يقول المهاتما غاندي :"إنَّ القوة لا تأتي من القدرة البدنية؛ وإنَّما من العزيمة التي لا تُقهَر".
لذا تحلَّ بالإرادة والعزيمة لإثبات نفسك في عملك ومجتمعك، ولا ترضَ أن يمر العمر وأنت شخصٌ منسيٌ على هامش هذه الحياة؛ بل اسعَ لجعل اسمك يتردد على أفواه الآخرين كمثال للنجاح المهني والإنساني.