لقد بتنا قاب قوسين أو أدنى من توديع برامج العمل التقليدية التي تبدأ من التاسعة إلى الخامسة، فقد أدَّت الجائحة إلى حقبة جديدة من توقعات العمال، وهذا التحول لن يزول حتى بعد اكتشاف اللقاح.
لقد قضى جزء كبير من القوى العاملة في العالم الجزء الأكبر من التسعة أشهر الماضية في العمل من المنزل، وتكيَّف العمال مع الواقع الجديد، واتبعوا إجراءات روتينية جديدة بعد أن فُتح الباب على مصراعيه لهذه الطريقة الجديدة في العمل، فقد وجدت دراسة أجرتها شركة جي إل إل (JLL) في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2020 أنَّه لأول مرة على الإطلاق، يقدِّر العاملون التوازن بين العمل والحياة أكثر من الراتب المرتفع (72% مقابل 69%)، ووجدت أيضاً أنَّ 71% من العمال يتوقعون برامج عمل أكثر مرونة بعد الجائحة.
هذه ليست مسألة استحقاق للموظفين ولا ينبغي عدُّها تحدياً تحتاج الشركات إلى التغلب عليه بطريقة ما؛ بل يجب عدُّها صحوة تجاه احتياجات جيل جديد من العمال، وفرصة لبناء مكان عمل يقدر سعادة الموظف بقدر ما يقدر الربح، وللتوضيح أكثر، ترتبط أرباح الشركة بسعادة الموظفين ارتباطاً وثيقاً، فثمة الكثير من الدراسات التي تشير إلى أنَّ سعادة الموظفين تؤدي إلى زيادة الإنتاجية والاحتفاظ والتحفيز والقيادة، وعلاوةً على ذلك، أصبح أسلوب العمل من التاسعة إلى الخامسة أسلوباً عتيقاً وبالياً، ولا يأخذ في الحسبان الأوقات التي يكون فيها الموظفون في قمة الإبداع والتحفيز والإنتاجية.
هل فوائد الحفاظ على برامج وترتيبات العمل الحالية تفوق المخاطر المحتملة من عدم تفاعل جزء كبير من الموظفين الحاليين والمستقبليين؟
إذا استنتجت أنَّ التغيير ضروري، فإليك ثلاث طرائق يمكنك من خلالها تبنِّي برامج عمل مرنة داخل مؤسستك:
1. الساعات التي يكون فيها الموظفون متاحين:
إنَّ إحدى المشكلات الرئيسة التي تظهر مع زيادة مرونة برامج العمل هي ضمان توفر موظفيك عند الحاجة إليهم، وإذا كانت هناك مشكلة تحتاج إلى حل أو فرصة يمكنك اغتنامها، فهل سيكون فريقك مستعداً لذلك؟
على الرغم من أنَّ الاجتماعات تتغير، إلا أنَّها لن تختفي، ولهذا السبب وحده، تحتاج إلى توافق برامج عمل الموظفين إلى حد ما على الأقل، فإذا سبق لك العمل في شركة لديها مكاتب في أماكن متفرقة من العالم، فأنت تعلم مدى صعوبة تحديد وقت مناسب للاجتماعات عندما يعمل الموظفون في ساعات مختلفة.
سواء كنت تعمل عن بُعد أو في المكتب، فإنَّ إحدى الطرائق لزيادة مرونة برامج العمل دون مواجهة مجموعة جديدة من المشكلات في عملك هي تعيين فترة زمنية محددة يجب أن يكون جميع الموظفين متاحين خلالها لحضور الاجتماعات أو التواصل أو تنفيذ المهام المُستعجلة.
ولكن لا ينبغي أن تمتد هذه الفترات إلى ثماني ساعات؛ بدلاً من ذلك، اختر فترة من ثلاث إلى أربع ساعات في بداية يوم عملك المعتاد أو قرب نهايته، مما يمنح أعضاء فريقك متسعاً من الوقت للتفاعل ومساعدة بعضهم بعضاً، مع الاستمرار في توفير قدر أكبر من المرونة في برنامج العمل.
سيتمكَّن الموظفون من اصطحاب أطفالهم إلى المدرسة، أو العمل في وقت متأخر من الليل لتجنب المشتتات، أو ببساطة أخذ فترات راحة حسب الحاجة طوال اليوم، في حين أنَّ هذا يعني تغييراً في أسلوب العمل من التاسعة إلى الخامسة، إلا أنَّ الساعات التي يكون فيها الموظفون متاحين هي مجرد تعديل بسيط، ومقايضة سهلة مقابل زيادة سعادة الموظفين وإنتاجيتهم.
2. استبدال أيام عطلة نهاية الأسبوع بأيام أخرى:
هل هناك يوم محدد في أسبوعك تعمه الفوضى؟ ربما تتزامن نشاطات أطفالك اللاصفية في هذا اليوم تحديداً، ويكاد يكون من المستحيل العمل لساعات منتظمة أو إنجاز أي شيء، أو ربما لدى شريكك برنامج مكتظ بالمهام، وعليك تحمُّل مسؤولية كل شيء وحدك؟
سؤال آخر: هل سبق لك أن عملت يوماً في عطلة نهاية الأسبوع لمجرد أنَّك أردت وقت تركيز خالٍ من المشتات؟
هناك طريقة أخرى لتقديم قدر أكبر من المرونة في برامج العمل وهي إتاحة الفرصة للموظفين للعمل في أحد يومَي العطلة عوضاً عن يومٍ من أيام الأسبوع بحيث يبدأ أسبوعهم الجمعة وينتهي الثلاثاء مثلاً، أو تقسيم أسبوعهم إلى نصفين من خلال قضاء الإجازة في يومين غير متتاليَين.
يمكن القيام بذلك مرة واحدة، مما يسمح لهم بالعمل في يوم واحد من عطلة نهاية الأسبوع عندما يطرأ شيء ما، لكنَّ العمل بهذه الطريقة أفضل إن كان على فترات طويلة وليس مرة واحدة فقط؛ لذا امنح الموظفين خيار العمل في يوم عطلة نهاية الأسبوع لمدة ثلاثة أو ستة أشهر، وهذا يتطلَّب منهم الالتزام ببرنامج مُعدَّل مقدماً، وميزة هذه الطريقة أنَّها توفر الاستقرار أسبوعاً بعد أسبوع حتى يعتاد باقي أعضاء فريقك برنامجهم الجديد بدلاً من تخمين أيام دوامهم في المكتب، وكذلك تمنح الموظف فرصة اختبار ما إذا كان البرنامج الجديد أنسب لحياته، بالإضافة إلى ذلك، من خلال السماح لموظفين معينين - كون دعم العملاء هو المهمة الكبرى - بالعمل في عطلات نهاية الأسبوع، يمكنك تقديم خدمات أكثر.
3. العمل أربعة أيام في الأسبوع:
اكتسبت هذه الفكرة زخماً طيلة عقد من الزمن، ولكن سُلِّط الضوء عليها مؤخراً على نطاق أوسع بسبب الجائحة، ولأنَّ العديد من الشركات وحتى بلدان بأكملها تختبر هذا النظام، عدَّت رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن (Jacinda Ardern) أنَّ العمل أربعة أيام في الأسبوع وسيلةٌ محتملة لإعادة بناء الاقتصاد بعد انتهاء الجائحة، وذكرت أيضاً دراسة (JLL) المذكورة آنفاً أنَّ 73% من الموظفين يؤيدون العمل أربعة أيام في الأسبوع.
وإن كنت قلقاً بشأن تأثير ساعات العمل المخفضة في الإنتاجية، فقد شهدت شركة مايكروسوفت جابان (Microsoft Japan) زيادة في الإنتاجية بنسبة 40% بعد تبنِّي أسبوع عمل أقصر، وعلى الرغم من أنَّ العديد من الموظفين ستروق لهم هذه الفكرة، إلا أنَّ العمل أربعة أيام في الأسبوع يمثل أكبر تحدٍ لوجستي لشركتك، فهناك الكثير مما يجب مراعاته:
- هل سيكون يوم العطلة الثالث يوماً محدداً من أيام الأسبوع أم ستترك كل موظف يحدد يوماً خاصَّاً به؟
- هل ستسمح لجميع الموظفين بالعمل أربعة أيام في الأسبوع، أم لبعضهم فقط؟
- هل ستمنح الراتب والمزايا نفسها للموظفين الذين يعملون أربعة أيام، أم سيكون هناك تعديل؟
- هل سيستمر الموظفون في العمل 40 ساعة خلال تلك الأيام الأربعة، أم سيعملون ساعات مخفضة؟
- هل ستضع سياسة موحَّدة يلتزم بها الجميع أم ستترك الخيار للمديرين؟
- هل ستحتاج إلى مراجعة خطط التعويض المتغيرة؟
- هل سيؤثر هذا في برامج التمويل التي تستفيد منها شركتك؟
يتطلب العمل أربعة أيام في الأسبوع مزيداً من التدبُّر والإدارة، لكن لا تتسرع.
تسمح بعض الشركات للموظفين الذين عملوا معها لمدة عام واحد على الأقل بالعمل أربعة أيام في الأسبوع؛ حيث اتخذت هذا القرار لأنَّها شعرت بضرورة أن يكون الموظفون الذين يعملون أربعة أيام مرتاحين جداً في أدوارهم الوظيفية وقادرين على إدارة برامج أعمالهم ومسؤولياتهم، وهو ما شعرت بأنَّه أكثر واقعية كونهم عملوا في المنصب عينه لمدة عام.
كان قرار العمل أربعة أيام في الأسبوع اختيارياً نظراً لعدم رغبة الموظفين كلهم في هذه الدرجة من المرونة في برامج أعمالهم، وهذا صحيح تماماً إذا كان الأسبوع المختصر يقابله انخفاضٌ مُطَّردٌ في الراتب؛ أي إذا عمل الموظفون 80% من الساعات، فإنَّهم يتقاضون 80% من رواتبهم، وقد يكون هذا رادعاً لبعضهم على الرغم من أنَّ التوازن بين العمل والحياة كما ذُكر آنفاً أكثر أهمية من الراتب بالنسبة إلى الكثير من الموظفين.
لقد سمح هذا النهج بالاحتفاظ بالموظفين المتميزين الذين أيدوا هذا النوع من الترتيبات، بينما استمر معظم الموظفين في روتينهم المعتاد.
في الختام:
إنَّ تغيير روتينك أو أسلوبك ليس بالأمر السهل، لكنَّ الأشياء التي تستحق القيام بها نادراً ما تكون سهلة، وقد يستحق تأثير العمل أربعة أيام في الأسبوع أو ساعات العمل المرنة في موظفيك وأرباحك على الأمد الطويل القليل من الاضطراب على الأمد القصير.