يعاني الكثير من الناس من مشاكل ضعف الذاكرة، وكثرة حالات النسيان مع قلّة التركيز، وعدم الانتباه على أعمالهم ومهماتهم، وللأسف لقد أصبحت مشكلة النسيان متكرّرة لدرجة أنّ البعض ينسى أين وضع مفتاح سيارته، أو مفتاح منزله، وقد ينسى ما كان يود القيام به منذ لحظات، أو قد يترك موقد البوتاجاز مشتعلًا، ونظرًا لشيوع هذه الحالة كان لابد من التوصل لحل يحد من تأثيرها السلبي على حياة الأفراد، فيما يلي سنتحدث عزيزي عن كل ما يتعلق بالنسيان وطرق تقوية الذاكرة.
تعريف النسيان:
- يعرّف العلم النسيان بأنّه الدخول في حالة من الفقدان الظاهري، أو تحوير للمعلومات المخزنة في الذاكرة المديدة خلال محاولة استرجاعها، قد يحدث النسيان بشكل فجائي، أو بشكل تدريجي.
- النسيان هو عجز الفرد عن استعادة واسترجاع المعلومات، والأفكار، والخبرات التي سبق أن تعلمها خلال حياته، أو هو الفقدان التدريجي لما سبق أن تعلمه الفرد من معلومات وخبرات.
نظريات النسيان:
شغلت ظاهرة النسيان اهتمام علماء علم النفس منذ سنين طويلة في محاولة منهم لفهم طبيعة النسيان، والعوامل التي تؤدي إلى حدوثه، وبالفعل تمّ التوصل إلى عدة نظريات بهذا الخصوص، فيما يلي سنتعرف عليها.
- نظرية عدم الاستعمال: يقول الطب أنّ أي عضلة في جسم الإنسان لا تستعمل أو لا يتم تحريكها مع الوقت ستفقد مرونتها، وستتعرّض للضعف والضمور، وفي هذا الصدد وجد علماء علم النفس أنّ التوقف عن استخدام وتكرار المعلومات، والمهارات، والخبرات التي اكتسبناها في مرحلة ما من حياتنا، سيؤدي حتمًا مع الوقت إلى نسيانها، وستتلاشى من الذاكرة، وسيمحى أثرها من تلافيف الدماغ، وبالتالي تصبح عرضة للنسيان.
- نظرية الكبت: يعرّف الكبت بأنه عملية غير شعورية تستبعد فيها الأنا الذكريات المؤلمة، والمثيرة للقلق، والرغبات المستكرهة من مستوى الوعي إلى مستوى اللا وعي (العقل الباطن) لأن بقائها سيسبب للشخص المزيد من الأحزان والآلام، لذا يحدث أن ينساها الشخص أو يتناساها بصورة متعمدة واختيارية، مثلًا كأن ينسى الشخص حادث أليم وقع به، أو ذكرى قصة حب فاشة، أو وفاة شخص عزيز.
- نظرية التداخل: تعتبر نظرية التداخل من أقدم النظريات التي تحدثت عن حالات النسيان، كما أن هناك مئات الدراسات والأبحاث المتعلقة بها، حيث ترى هذه النظرية أن النسيان يحدث عندما تتشابه أو تتداخل المعلومات والمواضيع، ومن الأمثلة التي تؤكد على أن التداخل يحصل في الذاكرة لو أعطينا شخص ما رقمًا تلفونيًا وطلبنا منه أن يطلب الرقم على التلفون لكن قبل أن يفعل ذلك أعطيناه رقمًا آخر فإنه لن يتذكر الرقم الأول، أما إذا أعطيناه الرقم ثم تلونا عليه عدد من الحروف فإن كمية النسيان ستكون أقل.
أنواع النسيان:
واستنادًا إلى النظريات الثلاث السابقة توصل العلماء إلى 3 أنواع للنسيان هو النسيان السلبي، النسيان الإيجابي، والنسيان المشترك.
- النسيان السلبي: في هذه الحالة تلعب عادات الشخص اليومية، وعدم تركيز انتباهه على حفظ المعلومات والتفاصيل دورًا في عدم استقرار المعلومات المكتسبة في الذاكرة، وبالتالي إصابته بحالة النسيان.
- النسيان الإيجابي: هذا النوع من النسيان يكون خارج عن إرادة الشخص، حيث يحدث لأسباب وظروف موضوعية خاصة حيث ينسى الشخص بعض الأمور بشكل تلقائي، وهذا النسيان من مظاهر الرحمة الإلهية على الإنسان.
- النسيان المشترك: يطلق عليه اسم التناسي ففي هذا النوع يتظاهر الإنسان عمدًا بالنسيان لكنه في الحقيقة إنه يتناسى الأمر، والفرق واضح بين أن ينسى الشخص بشكل تلقائي أو لعدم التركيز والانتباه، وبين أن يتناسى الأمر رغم أن الصورة عنده حاضرة.
أكثر الأسباب شيوعًا لحالة النسيان وطرق علاجها:
1- كثرة المعلومات المطلوب تذكرها:
في اليوم الواحد تتلقى أدمغتنا كم كبير من المعلومات ما يجعل الذاكرة مثقلة بمعلومات وتفاصيل غير مفيدة، وقد أظهرت آخر الدراسات العلمية أن الذاكرة البشرية تتخلص بشكل تلقائي من التفاصيل غير الضرورية ليتم التركيز على المعلومات الأساسية فقط، ولذلك ننسى بعض الأمور ونتذكر بعضها الآخر.
العلاج: احرص على التركيز فقط على المعلومات المهمة وتجاهل التفاصيل والأمور غير المهمة، فهذا سيساعد على تخزين المعلومات في الذاكرة البعيدة.
2- الحرمان من النوم ليلًا:
الكثير من الناس يجهلون التأثير السلبي للحرمان من النوم على نشاط الدماغ وقوة الذاكرة، فبحسب الدراسات أن الأشخاص الذين لا يحصلون على كفايتهم من النوم هم أكثر عرضة للإصابة بالنسيان لأن الدماغ أثناء النوم يقوم بمعالجة المعلومات التي يتلقاها أثناء اليقظة، ثم يقوم بنقلها للذاكرة البعيدة، ولذلك الحرمان من النوم يسبب النسيان.
العلاج: احرص على أخذ قسط كافي من النوم العميق ليلًا، أي النوم ما لا يقل عن 8 ساعات يوميًا، وأخذ قيلولة خلال الظهيرة لمدة نصف ساعة، سيجدّد هذا نشاط الدماغ، وسيقوي الذاكرة.
3- الشعور بالتوتر والقلق الدائم:
يؤكد الأطباء أن الشعور الدائم بالتوتر، والقلق، والعصبية، والغضب يتسبب في تراكم هرمون الكورتيزون في مراكز التعلم في الدماغ ما يؤدي إلى حدوث خللًا في التركيز الذهني، وتشتيت الانتباه، وضعف تخزين المعلومات التي يتم اكتسابها حديثًا، وصعوبة استعادة الذكريات القديمة، فتكثر حالات التعرض للنسيان.
العلاج: ابتعد عن كل مصادر التوتر قدر الإمكان، وحاول أن تنفس عن الشحنات السلبية التي بداخلك من خلال ممارسة اليوغا، والتأمل بالطبيعة، والمشي على رمال البحر، والاستحمام بالملح الإنكليزي.
4- الإصابة بالاكتئاب النفسي:
هناك علاقة وثيقة بين الاكتئاب النفسي وحدوث النسيان، مثلًا الشخص المكتئب الذي يشعر بالهموم والأحزان يفتقد المتعة والبهجة في حياته كما يفتقد الدافع للقيام بواجباته ومسؤولياته اليومية، وهذا ما يجعله يتعرض للنسيان بصورة متكرّرة، وبذلك نجد أن الحالة النفسية العامة تلعب دورًا أساسيًا في حدوث النسيان.
العلاج: عندما تنتابك حالة اكتئاب وسوء مزاج استشر الطبيب مباشرة، فهو سيقدم كل ما تحتاجه من علاج وأدوية نفسية وسلوكية تساعدك على الخروج من حالاتك هذه.
5- الخمول وقلّة الحركة:
الجلوس لساعات طويلة دون القيام بأي نشاط بدني، والرغبة الدائمة في النوم طوال النهار، والبقاء في المنزل طوال اليوم يتسبب في بطء التروية الدموية لمراكز الدماغ، وخاصة تلك المسؤولة عن الذاكرة، ما يجعل الشخص أكثر عرضة لحالة النسيان.
العلاج: حاول أن تتخلص من حالة الخمول من خلال ممارسة الأنشطة الرياضية كالمشي في الهواء الطلق، ركوب الدراجة، السباحة، أو ممارسة تمارين الأيروبيك في النادي الرياضي.
6- سوء التغذية وتناول الطعام غير الصحي:
الاعتماد على الوجبات السريعة فقد يعرض الشخص لسوء الأغذية لأن هذه الأطعمة فقيرة بالفيتامينات وخاصة الفيتامين B12، والمعادن، ومضادات الأكسدة ما يحرم الدماغ والذاكرة من الغذاء المناسب فتضعف قدرات كل منهما، وتتراجع ليصبح الشخص أكثر عرضة لحالات النسيان.
العلاج: احرص على اتباع نمط غذائي صحي، أي تناول الطعام الغني بالفيتامينات والمعادن ومضادات الأكسدة، مثل الخضروات، والفاكهة، والأسماك، والمكسرات، وغيرها.
7- الفوضى وسوء التنظيم:
يرى الأطباء أن العيش وسط بيئة تعمها الفوضى، وعدم التنظيم في الأمور الحياتية يجعل الشخص مشتت غير قادر على التركيز، وحفظ المعلومات، والتفاصيل فتكثر حالات التعرض للنسيان، وقد يشمل النسيان حتى الأمور المهمة، مثلًا فقد ينسى الشخص أين وضع بطاقة الائتمان، أو حقيبة نقوده وهكذا.
العلاج: احرص على ترتيب المكان المحيط بك سواء منزلك، أو غرفة مكتبك، وقم بوضع قائمة منظّمة بالمهمات المطلوب تنفيذها، سيحد هذا من تعرضك لحالات النسيان.
8- الإصابة ببعض الأمراض:
هناك أسباب كثيرة تقف وراء حالات النسيان لكن بعض الأمراض مثل مرض السكري، اضطراب الغدة الدرقية، اضطرابات النوم والأرق، مرض الزهايمر، الأورام الخبيثة في الدماغ، السكتات الدماغية، النزيف الدماغي جميعها يؤثر على عمل الذاكرة ويقوم بإضعافها.
العلاج: إذا كنت تعاني من أحد الأمراض السابقة لابد من أن تستشير طبيبك باستمرار وأن تتناول الأدوية الموصوفة لك فهذا من شأنه أن يحد من تعرضك للنسيان المتكرر.
9- تناول أنواع معينة من العقاقير الطبية:
الاستخدام المطوّل لبعض أنواع الأدوية مثل: المهدئات، والمنومات، والأدوية الخاصة بعلاج داء باركنسون (الشلل الرعاشي)، ومضادات الاكتئاب، وأدوية ضغط الدم جميعها يؤثر سلبًا على الذاكرة، حيث تؤدي إلى حالة من ضعف التركيز والانتباه فيصعب على الشخص حفظ المعلومات الجديدة.
العلاج: إذا كنت تتعاطى أحد الأدوية السابقة اطلب من الطبيب أن يصف لك أدوية بديلة خالية من أية آثار جانبية، سيساعد هذا على الحد من تعرضك للنسيان.
الفرق بين النسيان الطبيعي والغير طبيعي:
- نسيان التفاصيل: يكون نسيان التفاصيل طبيعي عندما تتذكر الأحداث بصورة ضبابية أي تنسى تفاصيل بسيطة متعلقة بالحدث، النسيان غير الطبيعي عندما تعجز تمامًا عن التذكر كأن تنسى مواعيدك بشكل متكرّر.
- نسيان إدراك الأرقام: النسيان الطبيعي يحدث عندما تنسى كم ملعقة سكر وضعت في كوب القهوة، أو عندما تخطأ في حساب الفواتير، لكن عندما تشعر أن الأرقام أصبحت رموز غريبة، ولا تستطيع أن تعد الأرقام بشكل متتالي هنا يكون النسيان غير طبيعي.
- نسيان كيف تستخدم الأشياء: يكون النسيان طبيعي عندما تطلب المساعدة في كيفية ضبط منبه الميكروويف، لكن عندما تنسى تمامًا كيف يتم إشعال موقد الغاز أو استخدام الغسالة هنا يكون النسيان غير طبيعي.
- نسيان مكان الأغراض: النسيان الطبيعي يحدث عندما تتحقق من أن مفاتيح سيارتك في جيوبك أو على طاولة أي أنك قادر على تذكر جميع خطواتك التي قمت بها لإيجاد مفاتيحك، لكن عندما تضع مفاتيحك في أماكن غريبة كالغسالة أو تنسى تمامًا أين وضعتها هنا يكون النسيان غير طبيعي.
نصائح هامة حول كيفية تقوية الذاكرة:
- مارس ألعاب العقل كالشطرنج، السودوكو، البازل، الألغاز، الكلمات المتقاطعة وغيرها فهي ستساعد على تقوية الذاكرة وتنشيطها.
- تجنّب السهر لوقت متأخر ونم باكرًا أي في حدود الساعة 11 مساًء واستيقظ عند الساعة 7 صباحًا، سيمنح هذا جسمك وعقلك الراحة الكاملة.
- ادخل إلى نظامك الغذائي ال أوميجا3 التي تتواجد في الأسماك الزيتية، والمكسرات، والخضروات الورقية، فهي تقوي الدماغ وتحمي من الإصابة بالزهايمر
- مارس الرياضة بشكل منتظم لمدة لا تقل عن ساعة كاملة، فهي تساعد على تنشيط الدورة الدموية في الجسم ليصل الدم المحمل بالغذاء والأوكسجين إلى الدماغ والذاكرة.
- حافظ على نشاطك الذهني من خلال الاستمرار في التعلم كتعلّم العزف، أو الرسم، أو النحت أو تعلّم اللغات الجديدة، سيساعد هذا على تقوية ذاكرتك.
- الحفاظ على الصحة النفسية من خلال الخروج مع الأصدقاء، ممارسة الهوايات، السفر للخارج، العناية بالمظهر الخارجي، فكل هذه الأمور تعمل على تحسين المزاج وبالتالي تقوية الذاكرة.
النسيان حالة مرضية خطيرة يتواجب معرفة أسبابها لإيجاد العلاج المناسب لها، لذا لا تتردّد عزيزي عن استشارة الطبيب المختص عندما يتكرر تعرضك لحالة النسيان.