بحث عن

تدريب وتعليم / اللغة العربية الفصحي / تشوه / الانسان / الثقافة /

لماذا يجب علينا تعلم العربية الفصحى في عالم لا يتحدثها أصلًا؟!

لماذا يجب علينا تعلم العربية الفصحى في عالم لا يتحدثها أصلًا؟!  - ازدهار ezdehar

اقرا ايضا

في عالم لا يتكلّم اللغة العربية ولا يعنى بها، وفي الوقت الذي نتكلم فيه نحن العاميات المختلفة، نحن أصحاب اللسان تحول أفكارنا و سلوكياتنا تجاه اللغة، بين اللسان العربي وبين أهله مما يؤدي يطبيعة الحال إلى كثير من المشكلات بعضها حقيقي وبعضها وهمي.

المشكلة الأولى التي سأتعرّض لها في هذا المقال هي مشكلة الجدوى.

في عالم اللغة الإنجليزية، لماذا يحتاج العربيّ المعاصر إلى تعلّم اللغة العربية؟
يولد الطفل اليوم في عالم يحيط به باللغة الانجليزية، في أفلام الكارتون التي تملك روحه وعقله ووجدانه، وتشكلها باللغة الإنجليزية، تتحدد رؤيته للعالم ولذاته الإنسانية من خلال اللغة الأكثر تأثيرًا فيه ،ثم يلتحق بالمدارسة فيقَابَل بتكملة لهذا التشكيل، نمط حياة مثير للشفقة في طريقة التعليم يعيش فيه الأطفال منذ الطفولة حتى المراهقة، نمط يفصلهم عن لغاتهم أكثر مما يقربهم إليها.


في الوقت الذي تغمره فيه اللغة الإنجليزية، بمناهج سهلة ولطيفة وجذَابة ومتطورة ومواكبة للواقع وللعالم الذي يعيش فيه، كما يدرس كافة المناهج الأخرى باللغة الإنجليزية في أغلب المدارس (الذي يمكن أن نطلق عليها مدارس) باللغة الإنجليزية.

بينما تهمّش العربية بمناهجها التي تبدو قديمة من عالَم آخر، لا تخاطب هذا الطفل الناشئ اليوم في عالم اللغة الإنجليزية، ومنجزات العصر الحديث.

ثم يدخل بعدها إلى عالم السوشيال ميديا والألعاب الإلكترونية (إن طالته رحمة الإله ولم يستحوذ العالم الافتراضي عليه وهو طفل) فإذا هي ساحة طبيعية في اكتساب وتعلّم اللغة الإنجليزية، وممارستها في بيئة ما وإن كانت افتراضية، وهنا يتساءل الطفل سؤالًا منطقيًّا جدًّا:

ماذا يفيد كل الهراء عن العربية في المدرسة؟


نحن هنا أمام الجدوى إذًا!
لم تكن أهمية تعلم اللغة العربية (مشكلة الجدوى) كما أسميها مشكلة خاصّة بي كما أسلفت في مقالي السابق عن اللغة الأم، ولكنني حوصرت بها عندما بدأت العمل في التدريس.

فهذا السؤال في المقام الأول ينبغي أن يوجه للأشخاص الناضجين أمثالنا، نحن الذين لا نستطيع أن نجيب عليه في عالم اليوم.

نحن المعلمون، والفنانون والأدباء، والمترجمون، والعلماء، والمبرمجون، والمدراء، والوزراء، والعمال، والموظفون، وقبل كل شيء الأمهات والآباء.


كنت أجيب إجابة تبدو صحيحة في ظاهرها ولكنها ساذجة في جوهرها فكنت أقول:

“لنفهم القرآن الكريم” تلك الإجابة السامية الراقية التي يمكنها أن تكون إجابة الكثيرين ممن لم يفكروا في الأمر كثيرًا مثلي وقتها.

والحقيقة إننا اليوم نتخرج كل عام آلآفًا مؤلَّفة من المدارس والجامعات والأكثرية منا لا تستطيع أن نقرأ القرآن الكريم قراءة سليمة فضلًا عن فهمه.


تشوّه اللغة يساوي تشوّه الإنسان
يقول أستاذنا العالم اللغوي الجليل تمّام حسّان في كتابه القيّم التمهيد في اكتساب اللغة العربية:

إن مراحل اكتساب اللغة ثلاثة: (التعرّف –الاستيعاب -الاستمتاع). نحن الواقفون اليوم على أعتاب التعرف ربما لم نستطع اجتيازه، فالكثير منا لم يعرف الفارق بين صيغة (الفاعل) و (المفعول) في الوظيفة التي تؤديها كل منها في الجملة، لا يستطيع أن يبني جملة عربية سليمة ومفهومة، يتتعتع في قراءة النصوص السهلة والبسيطة، لا يقوى على قراءة مجلة ميكي التي تصدر باللغة العربية الفصحى للأطفال.

الجدوى إذًا من اللغة العربية هي صناعة الذوق والثقافة والهوية
فاللغة هي وعاء تلك الأشياء، ذوق الإنسان في التفريق بين الجيد و الرديء، الجمال والقبح والأصالة والتقليد، فَهْم الأشياء والحقائق والادّعاءات والآراء والتفريق بينهم، ذلك البناء الذي يكتمل مع بناء اللغة.


حتى يصل المرء إلى ارتقاء الذوق في تمييز الصورة الجميلة من عديمة الجمال في مرحلة (الاستمتاع) والتي يقصد بها الأستاذ القدرة على الاستمتاع بالجماليات الخاصة باللغة وعلى رأسها القرآن الكريم أرفع مستويات اللغة العربية الفصحى.

اللغة ستجعل صاحبها سبّاحا ماهرًا في معانٍ لا متناهية واسعة، تسع نفسه ومشاعره ووجدانه بما يفوق خياله، فالإنسان الذي لا يستطيع التعبير عن نفسه عاجزًا أشد العجز، عجزًا قد لا يستطيع هو نفسه أن يدركه.

لا أقول إن الطالب ينبغي أن يكون سيبويه العصر، أو أن يتكلم حتى بالعربية الفصحى ولكنه ما لم يتعلم اللغة العربية بمستوى مقبول؛ فلن يستطع أن يخطو خطوة حقيقة في التعامل مع القرآن الكريم، والذي يُعَدّ أعلى مستويات اللغة العربية الفصحى، ولن يستطع أن يتعامل مع ثقافته الإسلامية والأدب العربي والتراث العربي تعاملًا يليق به وبهم، ويبدأ بعدها مرحلة الانحدار التام والتدهور الذي يبدأ من فقدان هذا الطفل لذوقه، فيصبح وعاءً فارغًا يستطيع أيّ غبي آخر أن يملأه، فيقرأ لأشباه الكتّاب و يسمع لأشباه الموسيقيين و يحب أشباه الرساميين، يحرم من ارتجافة القلب الجميلة عند قراءة بيت من الشعر يثير الوجدان، و يحرم من حكمة ربما تغير مسار عمره لو قرأها في قصة قصيرة.


سيحرم من كافة أشكال الرقيّ و بحسب لغته سيختار مساره و معجمه الخاصّ كإنسان وطريقة تفكيره الخاصة فاللغة بينها وبين الفكر رابط سحري وقديمًا قال سقراط لرجل: تكلّم حتى أراك.







انضم الينا الى صفحتنا على الفيس بوك من هنا

المواضيع المتميزة

احدث المقالات

الاكثر اعجابا