وفي حين أنَّك قد لا تفكِّر على الفور في الإصغاء كمكوِّن رئيسٍ للتواصل، إلَّا أنَّه كذلك حقاً، فالإصغاء نصف التواصل. ولكي تتواصل جيداً، يجب أن تتعلَّم كيفية الإصغاء؛ لذلك، تابع معنا قراءة هذا المقال للتعرف على الإصغاء الفعَّال وممارسته جيداً من خلال دليلٍ يرشدك خطوةً بخطوة.
ما هو الإصغاء الفعَّال؟
لنبدأ بتعريف الإصغاء الفعَّال: يُقصدُ بالإصغاء الفعال أن تُنصِت بفعاليةٍ وتركيزٍ إلى الشخص الذي تحادثه؛ ويشمل هذا الاهتمام الجاد بالشخص الذي يتحدَّث إليك، وهو ما يختلف عن الاستماع السلبي (passive hearing) الذي يُلاحظُ في العديد من المحادثات.
يتضمَّن الإصغاء الفعَّال استخدام العديد من حواسك للاستماع إلى المتحدِّث، بما يشمل منحَ الشخص انتباهك الكامل؛ وإظهارَ أنَّك تستمع إليه بحق، وتنقل ذلك إليه عن طريق لغة جسدك.
فكِّر في ذلك على أنَّه عملٌ متكاملٌ بين أذنيك اللَّتان تنصتان إلى ما يُقال، وعقلك الذي يعالج ما تسمعه أذناك بشكلٍ كامل، وباقي جسمك الذي يُظهِر أنَّك موجودٌ بالكامل في لحظة الحديث، وأنَّك تشارك فيما يقال.
يا لها من طريقة جيدة لوصف الإصغاء الفعَّال!
أهمية الإصغاء الفعَّال:
قبل أن نتعمَّق في اللوازم الأساسية لممارسة الإصغاء الفعَّال، لنلقِ نظرةً على ما يجعله هامَّاً.
إذا كنت تؤيِّد أهمية أن تكون شخصاً يتواصل جيداً في جميع علاقاتك، فأنت توافق على الأرجح على أنَّ الإصغاء جزءٌ هامٌّ من عملية التواصل.
إليك بعض الأسباب التي تجعل من ممارسة الإصغاء الفعَّال أمراً هامَّاً:
1. بناء الثقة المتبادلة:
عندما يرى شخصٌ ما أنَّك تصغي إليه باهتمام، يعتقد على الفور أنَّك تهتمُّ لما يقوله؛ فمن المعروف أنَّ معظمنا يحظى بارتياحٍ كبيرٍ عندما يشعر أنَّ الطرف الآخر يفهمه، إذ يُشعرنا ذلك بالرضا.
عندما تُظهِر لأحدهم أنَّك مهتمٌّ جداً بما يقوله، فلن يسعه إلَّا أن يشعر أنَّك تسعى إلى فهمه؛ فيؤثِّر هذا بدوره على مدى شعوره بالثقة تجاهك تأثيراً جمَّاً.
2. تعزيز الثقة بالنفس:
يميل الأشخاص الذين يتمتعون بمهاراتٍ جيدةٍ في الإصغاء الفعَّال إلى امتلاك مستوىً عالٍ من احترام الذات والثقة؛ ذلك لأنَّهم ماهرون في العمل على إقامة وبناء علاقاتٍ قويةٍ وإيجابية. كما يميلون إلى الشعور بالثقة بقدراتهم.
3. تقليل الأخطاء وتجنُّب سوء التواصل:
إذا كنت تمارس الإصغاء الفعَّال، فيمكنك بالفعل الانتباه إلى الكثير من التفاصيل والفروقات الدقيقة التي قد تفوتك في حالة الإصغاء جزئياً. إذا كنت تُنصت لمجرد أن ينتهي الشخص من الحديث حتَّى تتمكَّن من الكلام، فأنت تولي اهتماماً جزئياً لمُحاورِك؛ وهذه طريقةٌ حتميةٌ لتفوِّتَ بعض النقاط الهامَّة.
عندما تُصغي باهتمامٍ لشخصٍ ما، ستنتبه إلى العديد من التفاصيل التي قد تفوِّتها عندما لا تفعل ذلك.
4. زيادة الإنتاجية:
تخيَّل أنَّ مشروعاً قد أُسنِدَ إليك، وأنَّ الشخص الذي كلَّفك به يشرحه بأكمله وبوضوح، من البداية إلى النهاية. ثمَّ تخيَّل ذلك الشخص يُصغي بفعاليةٍ إلى إجاباتك، ويوضِّح أيَّ أسئلةٍ قد تتوارد إلى ذهنك.
ستتكوَّن لديك في أثناء خروجك من هذا الاجتماع صورةٌ واضحةٌ تماماً لما يتعيّن عليك تقديمه، وكيفية قيامك بذلك، أليس هذا شعوراً جميلاً؟
يُحدِث وجود شخصٍ يُنصِتُ إليك بفاعليةٍ ويتواصل بوضوح، فارقاً كبيراً في مدى إنتاجيَّتك في تحقيق هذا المشروع، ويجعلك تمتلك خارطة طريقٍ واضحةٍ للوصول إلى وجهتك بطريقةٍ ناجحة.
5. تقليل الجدالات:
تذكَّر أنَّ أحد أعظم أشكال الرضا الذي نملكه جميعاً هو الشعور بفهم الآخرين لنا، وهذا هامٌّ للغاية.
سوء الفهم هو أحد أكبر الأسباب التي تجعل الجدالات تميل إلى التصعيد؛ فعندما نشعر أنَّ شخصاً يصغي إلينا حقاً، فإنَّنا نشعر بأنَّنا نُفهَمُ أكثر بكثير؛ لنثق حينئذٍ بالشخص الآخر أكثر، ويقلُّ ميلنا إلى الخوض في جدالٍ معه، ويسهُلَ الوصول إلى حلٍّ يناسب الجميع.
والآن، دعنا نلقي نظرةً على كيفية ممارسة الإصغاء الفعَّال:
كيفية ممارسة الإصغاء الفعَّال (خطوةً بخطوة):
إليكَ الخطوات اللازمة لكي تصغي بفاعلية.
قد تبدو هذه القائمة واسعة النطاق بعض الشيء، وطويلةً إلى حدٍّ ما؛ لكن لا تفكِّر فيها كقائمة مهام يجب عليك إنجازها، بل عُدَّها مبدأً توجيهياً عاماً. وإذا كان بإمكانك إنجاز معظم هذه المهام في المحادثات الهامَّة، فأنت في طريقك لتصبح مُصغيَّاً فعَّالاً:
1. حافظ على التواصل البصري:
لست مضطراً إلى تركيز نظرك على عينَي شخصٍ ما؛ ومع ذلك، يجب عليك الحفاظ على تواصلٍ بصريٍّ منتظمٍ معه، وهذا هامٌّ بالنسبة إليك أكثر من أهميَّته بالنسبة إلى الآخرين.
عندما تحافظ على تواصلٍ بصريٍّ منتظم، تصبح مجبراً على الانتباه إلى الشخص الذي تتواصل معه، فيصعُب تشتيت انتباهك؛ كما ينقل إلى الشخص الآخر أنَّك مهتمٌّ كفاية.
2. لا تتململ أكثر ممَّا ينبغي:
إعادة التموضع والحصول على الراحة من وقتٍ إلى آخر أمرٌ جيد، ولكن من غير المحبَّب أن تلهو بقلمٍ أو تمسك هاتفك أو تنظرَ في جميع الاتجاهات في أثناء الحديث.
يعطي التململ انطباعاً بأنَّك غير مهتمٍّ بما يقوله الشخص الآخر.
3. لا تقاطع:
لم تعد هذه القاعدة صارمةً بعد الآن، فإذا كنت بحاجةٍ إلى الحصول على توضيح بشأن نقطةٍ معينة، فلا بأس أن تسأل عنها بأدب؛ لكن ما لا يجب القيام به هو مقاطعة الشخص بين كلِّ جملةٍ وأخرى لتوضيح وجهة نظرك، أو لإضافة لمستك الخاصة إلى المحادثة.
ما يُفترَض أن تفعله هو الإصغاء، وليس الإكثار من الحديث.
4. راقب الإشارات غير اللفظية:
يحدث الكثير من التواصل بطريقةٍ غير لفظية. يعني هذا أنَّه يمكنك الانتباه إلى الكثير ممَّا يخبرك به الشخص من خلال لغة جسده، لا الكلمات التي يقولها.
راقب الإشارات غير اللفظية التي يرسلها الشخص الآخر في أثناء التحدُّث إليك، فإذا كان هذا الشخص متململاً في جلسته، فقد يكون غير مرتاح في الحديث؛ وإذا كان متوتراً، فقد لا ينظر في عينيك مباشرة. يمكن أن تساعدك هذه الأنواع من الدلائل غير اللفظية في التركيز على شعور الشخص الآخر.
5. أعِد كلامك ووَضِّحه:
عندما يتحدَّث إلينا شخصٌ ما، فقد لا يكون الأمر واضحاً كما نريد أحياناً؛ لذا كرِّر ما قاله الشخص الآخر عند الحاجة، ولا تتردَّد في طلب التوضيح إذا احتجته.
يمكنك أن تقول أشياء، مثل: "للتأكُّد من أنَّني أفهم ما تقوله، أنت تقول كذا وكذا، هل فهمتك بشكلٍ صحيح؟". كما بمقدورك قول شيءٍ مثل: "ما أسمعه هو كذا وكذا"؛ حيث يمنح ذلك المتحدِّثَ فرصةَ معرفة أنَّه يخبرك بكلِّ ما تحتاج إلى معرفته، ويُظهر أنَّك تهتمُّ بما يكفي لطرح سؤالٍ للتأكُّد من فهمك.
6. استخدم بعض التشجيع:
عندما يواجه شخصٌ ما صعوبةً في شرح كلِّ شيء، فلا بأس في تقديم بعض التشجيع البسيط لحمله على مواصلة التحدُّث أو مشاركة مزيدٍ من التفاصيل.
ليس من الضروري أن تتسرَّع في ذلك، ولكن عندما يكون المتحدِّث في خضمِّ كلامه ثمَّ يتوقَّف، يمكنك أن تقول شيئاً قصيراً، مثل: "ثمَّ ماذا؟" أو "ما حدث بعد ذلك؟".
لن يؤثِّر شيءٌ في المحادثة، ولكنَّ القليل من التشجيع سيكون جيداً.
7. استقصِ:
لا بأس بالاستقصاء عن مزيدٍ من المعلومات عند الحاجة، لكن تذكَّر أنَّ هدفك ليس السيطرة على المحادثة، بل الإصغاء إلى الشخص الآخر بفعالية.
عندما تشعر أنَّ هناك معلوماتٌ أكثر صلة بموضوع النقاش لم تظهر بعد، فلا بأس في طرح بعض الأسئلة الاستقصائية.
إنَّ طرح أشياء، مثل: "كيف جعلك ذلك تشعر؟"، أو "ما أفضل طريقةٍ للتعامل مع هذا الموقف برأيك؟"، طرائقُ جيدةٌ تحثُّ الشخص الآخر على مشاركة المزيد حول ما يشعر به، بما يساعدك في فهم الموقف بشكلٍ أفضل.
8. قلَّل كلامك إلى أقصى حد:
لقد لمَّحنا إلى هذا عدَّة مراتٍ خلال خطوات الإصغاء الفعَّال السابقة، لكنَّ الأمر يستحقُّ شرحه بإسهاب. تذكَّر: لتكون مُصغياً فعَّالاً، يجب أن تُنصت؛ فأنت تسعى إلى الإصغاء وفهم الآخر، ودورك هنا ألَّا تتحدَّث كثيراً.
من المؤكِّد أنَّك ستجد صعوبةً في البقاء صامتاً عندما يكون لديك شيءٌ لتضيفه، لذلك يجب أن تأخذ نفساً عميقاً، وتتوقَّف مؤقتاً، وتصمت. ثمَّ احرص على أن تركِّز على ما يقوله لك الشخص الآخر؛ فأن تكون مُصغياً فعالاً يعني - بالضرورة - أن تصغيَ مع أقلِّ قدرٍ ممكنٍ من الكلام.
9. أيِّد المتكلم:
بالعودة إلى الكيفية التي نسعى بها جميعاً إلى فهم الحقيقة، فمن الجيد أن نؤيِّد المُتحدِّث، وإنَّ قول أشياء مثل: "أنا أفهمُ كيف قد يزعجك ذلك"، و"ربَّما كنت لأفعلَ الشيء نفسه"؛ يجعل الشخص الآخر يشعر وكأنَّك في صفِّه؛ فتبدو وكأنَّك تتعاطف معه وتفهمه. سيساعد ذلك في بناء الثقة في المحادثة وفي العلاقة.
الخلاصة:
بعد قراءتك دليل ممارسة الإصغاء الفعَّال، ستساعدك مهارات التواصل في كلِّ علاقةٍ في حياتك، بما يشمل العمل والعلاقات الشخصية؛ فإذا تمكَّنت من تطوير مهارات الإصغاء الفعَّال، فستحقِّق تقدُّماً كبيراً في مهارات التواصل.
الإصغاء نصف التواصل؛ لذا اعمل على تعزيز مهاراتك في الإصغاء الفعَّال؛ لما لها من تأثيراتٍ إيجابيةٍ كبيرةٍ في نجاحك في العمل وعلاقاتك الشخصية المقرَّبة.