تتألف مائدة التفاوض على الأقل من طرفين فنحن لا نتفاوض مع أنفسنا، وقد يكون هناك أكثر من اثنين، ويرتفع عدد الأفراد بعضهم فوق بعض درجات في فعالية الأداء التفاوضي فمنهم ممتازون، ومنهم متوسطون، ومنهم دون ذلك. يرجع هذا التفاوت إلى التباين في الشخصيات وفي الاستعدادات، ويقترح أحد الباحثين أن المفاوض الجيد، بالإضافة إلى إلمامه بموضوع التفاوض، فهو في حاجة إلى:
- عقلية لماحة.
- الصبر بلا حدود.
- القدرة على الإخفاء المؤقت للآراء والحقائق دون كذب.
- أن يكون سلساً ومرناً، ومع ذلك حاسماً عند اللزوم.
- قدرة على الربط بين الموضوعات والعلاقات المطروحة للمناقشة.
وممّا لا شك فيه أنّه من يمتلك هذه الخصائص يصبح على درجة عالية من المهارة التفاوضية، ولكن تبقى المشكلة العملية قائمة حيث إنّ قليلين من المديرين الذين يمكن أن تصل قدراتهم إلى تحقيق هذه المعايير، وحتى مع اعتبار إنّها سمات شخصية فليس من السهل اكتسابها من خلال مجرد قراءة كتاب أو حضور برنامج تدريبي معين.
لذلك لتحسين هذه القدرات التفاوضية لابدّ من وضع أيدينا على العوامل التي تقف وراء فعالية التفاوض، والدور الذي تؤديه العوامل في هذا المجال، وهذه العوامل هي المعرفة والمهارة والاتجاهات، ويندرج تحت كل عامل من هذه العوامل مجموعة من العناصر تمثل مبادئ من شأنها تحسين القدرات التفاوضية.
نصائح حول مهارات التفاوض:
سواء مع صاحب العمل، أو الزملاء أو أحد أفراد العائلة، نحتاج أحياناً لأن نفاوض للحصول على ما نعتقد أنّه من حقوقنا. نذكر مثالاً على ذلك السعي للحصول على راتب أعلى، التفاوض من أجل خدمات أفضل أو لحل خلاف في العمل.
ما يلي بعض المهارات والأساليب والاستراتيجيات التي قد تساعد المرء على النجاح في خوض مفاوضات بشكل فعّال يضمن له الوصول إلى أهدافه، أو على الأقل تحقيق نسبة نجاح نسبية مقبولة.
أولاً: حدّد ما تريده من المفاوضات قبل خوضها
في بادئ الأمر، قيّم مهاراتك وخصائصك، وحدّد أطر أهدافك الأولية، فهل: تسعى إلى إتمام المفاوضات بأقل وقت ممكن، وتريد الانتهاء من الأمر فحسب؟ أم أنّك تسعى للفوز بغض النظر عن نتائج قد تنطوي على أسلوبك المنتهج للحصول على هذا الفوز؟
إذا كانت النقطة الأولى هو ما تسعى إليه، فقد ينتج عن ذلك استسلامك بسرعة أو التنازل عن الكثير من أهدافك.
أمّا إذا كانت النقطة الثانية هي ما تسعى إليه بالشكل الأساسي، فإن ذلك قد يؤدي إلى اتباعك أسلوب هجومي وعدائي يؤدي بدوره إلى تدمير علاقاتك مع الطرف الآخر في المفاوضات.
ثانياً: تعرف على خصائص ومهارات الخصم
قبل خوض المفاوضات تحرّى عن سمعة خصمك من حيث مهاراته في التفاوض وخبرته، وبالتالي تستطيع أن تحكم إن كان خصمك يشكل لك تهديداً خلال المفاوضات، أم أنّه خصم مساو لك ولا يشكل تهديداً يستحق الذكر.
ثالثاً: تنبأ بما قد يدور في ذهن خصمك
لا يكفي أن تعرف وتحدّد ما تريده من خوض المفاوضات، بل عليك أن تحلّل وتحاول أن تصل إلى ما يفكر به ويهدف إليه الطرف الآخر، بهذا أنت تفكّر عن شخصين وبعقلين، تفكّر عن نفسك وتفكّر عن خصمك، والأفضل من ذلك، هو تطوير قدرتك بحيث تتمكن من التنبؤ بما يتوقع أو يعتقد خصمك أنّك تريده. وهنا، أنت تفكّر بثلاث أدمغة، تعرف ما تريده، وتتنبأ بما يريده خصمك، وتتنبأ بما يعتقد خصمك أنّك تريده.
رابعاً: اعمل على بناء الثقة بينك وبين خصمك
يعتبر التفاوض شكل متطوّر من أشكال الاتصال، ولكن في غياب الثقة بين طرفي المفاوضات، لن تستند العملية على تبادل ونقل فعال للمعلومات والأفكار، بل على العكس، سيحل محل الأسلوب المنهجي والمنظم لتبادل المعلومات أسلوب آخر يعمد إلى التلاعب بالمعلومات وبالتالي يصبح الجو العام للمفاوضات مفعماً بالشك والارتياب، فاكسب ثقة خصمك بأن تكون جديراً بهذه الثقة وتصدق القول وتثق بنفسك.
خامساً: طوّر مهارات الإنصات للآخرين
معظم الأشخاص يديرون حوارا داخليا مع أنفسهم، أي يتحدثون إلى أنفسهم ضمنيا. وقد يكون لهذا آثار سلبية أثناء المفاوضات إن لم يتمكن المرء من أن يسيطر على الحوار الداخلي وينصت إلى ما يقوله، بل و يراقب تعابير وجه ونبرات صوت الطرف الآخر، وبالتالي لا تفوته أي رسالة شفهية أو تعبيرية مهمة والتي قد تساعده في كشف نقاط ضعف وقوة الخصم.
سادساً: لا تكشف أوراقك من البداية
لا تكشف نفسك وأهدافك وغاياتك وتضعها بين يدي خصمك بداية المفاوضات، بل استهل بأن تصرح عن موقفك الذي تتخذه، عندئذ وبعد أن تتوطد الثقة تدريجياً أثناء المفاوضات، تستطيع أنت أو الطرف الآخر أن تخاطرا بكشف أوراقكما وأهدافكما بتفاصيلها. وتقع على عاتقك كمفاوض مسؤولية توجيه الأسئلة الذكية والمنتقاة لخصمك والتي هدفها أن تكشف لك عن حاجات وأهداف وغايات الطرف الآخر.
سابعاً: استعرض مصادر قوة خصمك
لا تفترض أن امتلاك خصمك لقوة معينة يعني أنّه يمتلك كل عناصر القوة الأساسية والتي تجعله يخوض المفاوضات بفعالية أو تؤهله للفوز.
نأخذ على سبيل المثال، إذا كان خصمك صاحب موقف أولي قوي، على اعتبار هذا عنصراً من عناصر القوة، لا يعني أنّه يمتلك جميع عناصر القوة الأخرى والمهارات الأساسية للتفاوض. بالنتيجة، ما عليك إلّا أن توازن القوى وذلك بأن تقيّم وتحدّد مصادر قوة الخصم وكذلك مصادر قوتك. ولتسهيل ذلك، يمكنك تقسيم مصادر القوة إلى مصادر داخلية وأخرى خارجية.
فالمصادر الداخلية تشمل على خصائص المرء، نأخذ على سبيل المثال: قوة الشخصية واحترام الذات والثقة بالنفس.
أمّا المصادر الخارجية فهي غير ثابتة، تتحكّم بها أمور سير المفاوضات.
ثامناً: استعرض الخيارات والبدائل
قبل البدء بالمفاوضات، لا يكفي أن تحدد أقصى غاياتك وأهدافك فقط، بل عليك أن تضع خيارات وبدائل لهذه الأهداف تقبل بها. وعليك أيضا أن تحدد الحجج المؤيدة وتلك المعارضة للخيارات المقترحة.
تاسعاً: متى تعتبر نفسك فائزاً؟
قبل أن تخوض المفاوضات، استعرض كل النتائج المتوقعة منها، واجعل لنفسك مدى للنجاح، وصولك إلى نتيجة ما تقع ضمن المدى الذي حدّدته سابقاً، يعني أنّك قد خضت المفاوضات بنجاح، بينما عدم تمكنك من تحقيق أيّة نتيجة تقع ضمن هذا المدى، تكون قد أحرزت فشلاً.
عاشراً: استمتع أثناء المفاوضات
التفاوض عبارة عن عملية وليس حدثاً فحسب، وهذه العملية تنطوي على خطوات تحضيرية ابتداءً من وليس انتهاء بخلق وتهيئة الجو المناسب الذي يتّسم بالثقة وتحديد الأهداف والغايات وكذلك النتائج المتوقع أن تترتب عليك خلال ولدى انتهاء المفاوضات. بالممارسة سوف تتمكن من اكتساب وصقل المهارات التي بدورها سوف تؤهلك للفوز وبالتالي تمكنك من الاستمتاع أثناء عملية المفاوضات.
المرجع: أسس عملية التفاوض، بناء المفاوض الفعال، عبد الحكيم احمد الخزامى، مصر، القاهرة، ص 9 ، ص22-23 ، 2001.