أسهم صعود نجم الاقتصاد القائم على الوظائف المؤقتة في جعل العاملين ضمنه من الموظفين المستقلين (الفريلانسيرز)، أو رواد المشاريع الفردية، أو المستشارين المستقلين – سمِّهم ما شئت – قوةً لا يُستهان بها في سوق العمل. وثمَّة بعض من يعتقد بأنَّ هذه التوجه يشكل خطراً على المجتمع كله، فما حقيقة ذلك من وجهة نظر الموظفين المستقلين؟
وفقاً لاستطلاعٍ أجرته مؤخراً مؤسسة "وايز براند" (WiseBrand) حمل عنوان "خطاب أمة الموظفين المستقلين" تمثِّل الأعمال الحرة خياراً مُستداماً، وممتعاً، ومربحاً في عالم الأعمال. فقد استطلعت هذه الشركة التي تساعد أصحاب الأعمال الحرة على تعزيز حضورهم المهني في العالم الرقمي والترويج له آراء أكثر من 2000 موظف مستقل لفهم حقيقة ما يجري في عالم العمل الحر.
يُنظر إلى العمل الحر غالباً بوصفه ذاك الشيء الذي نقوم به في أثناء الوظائف التي تحتاج إلى دوامٍ كامل، لكنَّ النتائج التي توصَّلت إليها "وايز براند" أظهرت أن هذه النظرة قد عفاها الزمن، حيث يقول المدير التنفيذي للشركة "أورلي إيزاكي" (Orly Izhaki): "يعمل 55 مليون أمريكي تقريباً – وأضعافهم حول العالم – في الشركات الصغيرة أو العمل الحر، وهو ما يعادل 35% من القوة العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها".
وقد كشف هذا الاستطلاع النقاب عن بعض الحقائق الجوهرية والنصائح المهمة للعاملين ضمن الاقتصاد القائم على الوظائف المؤقتة في عام 2018، فدعنا نُلْقِ عليه نظرةً سريعة:
1- يُعَدّ العمل الحر خياراً مهنياً حيويَّاً ومستداماً:
وفقاً للاستطلاع حقق خمسة من أصل كل ستة موظفين مستقلين أهدافهم على الصعيد المادي خلال سنتين من بداية أعمالهم، وأنَّ احتمال حصول من نجحوا في بلوغ أهدافهم خلال 12 شهراً – والذين بلغت نسبتهم 42% - على أكثر من 75000 دولاراً في العام يبلغ الضعفين موازنةً مع غيرهم. ويقول "إيزاكي": "إنه أمرٌ ممتع، فمجرد رؤية عملك ينمو يمنحك مزيداً من الثقة من أجل إشباع شغفك".
ويتحمّل رواد المشاريع الفردية مسؤولياتهم المالية بشكل جدي حيث ذَكَرَ 54% منهم أنهم يدّخرون المال للمستقبل، كما أن 60% منهم لديهم تأمين على حياتهم، وهما أمران يصُبَّان في مصلحة هذا النظام الاقتصادي الذي يزداد اعتماده يوماً بعد يوم على الموظفين المستقلين، فالعاملون بعقود عمل مؤقتة لا ينتفعون من المزايا التي تقدمها الشركات.
ويرى المدير التنفيذي لأحد أبرز مواقع العمل الحر على شبكة الإنترنت أن عالم الأعمال يحتضن رواد العمال الحر الذين يُسخّرون طاقاتهم لجني الأرباح حيث يقول: "لقد دفعَتْ التحولات الكبيرة في فرص العمل من كونها لا تعتمد على الإنترنت إلى كونها أصبحت جزءاً من العمل المبني على المهارات والمُقدَّم عبر الشبكة الرقمية إلى دائرتي الضوء الاجتماعية والاقتصادية". ومع اعتماد المزيد من الشركات على الاستعانة بأصحاب المواهب والمهارات العاملين خارج إطار الشركات أضحى هذا الطلب على الخبرات التي تتسم بالمرونة يعني أنَّ فرص العمل الحر ستستمر في النمو.
النتيجة: خذ الأمور على محمل الجد
استفد من المناخ الملائم للعاملين المستقلين لتتمكن من وضع استراتيجية لعملك. وحدد عدداً من الأهداف على صعيدي الدخل والأداء، وقوِّم أداءك بصورةٍ دورية كما يفعل المديرون، وتابع تطوير مهاراتك لتتمكن من تقديم فائدة حقيقية لسوق العمل.
2- أصحاب العمل الحر ملتزمون التقدّم:
إنَّ غالبية الموظفين المستقلين ملتزمون التقدم على المدى البعيد، حيث تشير معلومات "وايز براند" إلى أنَّ 54% منهم لا يبدون رغبة في العودة إلى العمل بدوام كامل – على الرغم من أنّ الدخل الأفضل أكبر مشجعٍ على ذلك.
كما أنهم ينظرون إلى التسويق الشخصي بشكلٍ جدي ويقولون إنَّ ذلك يُعَدُّ أمراً "مهماً" بل "شديد الأهمية" في مجال العمل، فهم ينفقون ما يقارب 100 دولار شهرياً على المبادرات التسويقية. ولكنَّ أكثر من نصفهم يعتقدون بأنَّ التسويق يستهلك قدراً كبيراً من الوقت، ويرى 41% منهم أنه مكلفٌ للغاية، إلا أن الُمفاجأةَ تكمن في كون الغالبية المتمثلة في 86% منهم يقومون بذلك بأنفسهم.
وهنا تكمن المشكلة حيث يجني أولئك الذين ينفقون أكثر من 100 دولار في الشهر على التسويق لأنفسهم أكثر بكثيرٍ ممَّا يجنيه زملاؤهم الأقل دعماً لفكرة التسويق.
النتيجة: سوِّق نفسك
تُظهِر الإحصاءات أنّ الاستثمار في التسويق يموِّل نفسه ذاتيَّاً، فإن كنت تعمل في مجالٍ قائمٍ على الأعمال التجارية التي تجري بين مؤسسةٍ وأخرى جرب منصة (لينكد إن). حيث نجد أن 15% فقط من رواد الأعمال الحرة يستثمرون في النشاط مدفوع الأجر ضمن الشبكة الاجتماعية الاحترافية هذه ممَّا يمنحك الفرصة للتميز من الآخرين. وبدلاً من أن تتحمل عبء المهمة وحدك استعن بمن ينجز لك مهام التسويق التي تقع خارج نطاق تخصصك بحيث تستطيع أنت قضاء الوقت في تقديم خدماتك.
3- الموظفون المستقلون أشخاصٌ سعيدون:
على الرغم من أنَّ جيل الألفية كان أوَّل من استخدم التسويق من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لبدء أعمالهم، إلَّا أنَّه لم يكن أوَّل جيلٍ يتبنى فكرة العمل الحر، إذ من غير المرجح تماماً أن يعود الموظفون المستقلون الأكبر سنَّاً (الذين تبلغ أعمارهم 35 عاماً أو أكثر) إلى العمل بدوامٍ كامل موازنةً بأقرانهم الأصغر سنَّاً. كما أنَّ 57% منهم يشعرون بالرضا عن التوازن بين العمل والحياة الذي يمنحهم إيَّاه العمل الحر.
ومن النتائج الأخرى المثيرة للاهتمام كيفية تعريف الأشخاص المُستَطلعة آراؤهم عن أنفسهم، وهو الأمر الذي يُخبرنا الكثير عن الصورة التي يكونونها عن أنفسهم والمسارات المهنية التي يحلمون بها، فقد ذَكَرَ نصف الذين استُطلِعَت آراؤهم أنَّهم "يعملون لحسابهم الخاص" وأطلق 19% منهم على أنفسهم اسم "أصحاب مشاريع صغيرة" وقال 19% آخرون إنَّهم "روَّاد أعمال" في حين فضَّل 12% منهم مصطلح "الموظفين المستقلين". ومهما كان الاسم الذي نطلقه عليهم فإنَّ هذا النوع من العمل يشهد ازدهاراً.
النتيجة: تحكّم أنت بزمام حياتك
إن كنت تواجه مشكلة في تحقيق التوازن بين عملك وحياتك أو بين تطور عملك ومقدار ما تدَّخره، فتأكَّد من أنّ الحل بين يديك. فمع الأعمال الحرة ستُمنَح حريةً كبيرةً – ومسؤولياتٍ كثيرةً –تُمكِّنك من تهيئة الظروف التي تقدم لك أفضل فائدة على صعيد العمل، والحياة، والمال.
ومع استمرار تطوّر الاقتصاد القائم على الوظائف المؤقتة يستمر الموظفون المستقلون في تطوير أعمالهم التي تُدِرّ عليهم الأرباح، ففي الولايات المتحدة يذكُر حوالي 2.3 مليون شخص ممَّن يعملون بدوامٍ جزئي بصفتهم متعاقدين مستقلين بعقود مؤقتة أنَّ دخلهم السنوي يتجاوز 100،000 دولار، فيما يعمل 12.9 مليون شخصٍ آخرون موظفين مستقلين بدوامٍ جزئي.
يقول "جين زاينو" (Gene Zaino) المدير التنفيذي لشركة" إم بي أو بارتنرز" (MBO Partners): "بينما نستمر في رؤية سلوكات متباينة بين مختلف فئات العمال المستقلين نجد أن النسب بشكلٍ عام تشير إلى أن العمل المستقل – وأسلوب الحياة المستقل – يشكِّلان وسيلةً مُرضيةً لتعزيز الدخل وتحقيق قدرٍ أكبر من الحرية والسيطرة والأهداف. كما أن تطور هيكلية العمل في أمريكا والإقبال على العمل مع ذوي الكفاءات العالية من أصحاب الأعمال المستقلة سوف يزداد فقط عندما تتطلع الشركات إلى أن تصبح أكثر ديناميكية ومرونة في المستقبل".
وبذلك نجد أنَّ مستقبل العمل يكمن في العمل الحر، حتى أنّ الملايين من الموظفين المستقلين يرون المستقبل واعداً جداً.