بينما تُعيد عددٌ من الشركات افتتاح أبوابها بعد شهورٍ من الإغلاق الذي كان يهدف إلى الحدِّ من تفشِّي جائحة فايروس كورونا، ما زال العديد من الموظفين مُستمرِّين في العمل من المنازل، فقد أعلنت كبرى الشركات -ومنها: تويتر وفيسبوك- عن تغييراتٍ جذريةٍ تتيح للموظفين العمل من المنزل بشكلٍ دائم.
يشير استطلاعٌ أُجري حديثاً إلى أنَّ 68% من الأشخاص الذين يعملون حاليَّاً من منازلهم يرغبون في الاستمرار بذلك مستقبلاً؛ لكنَّ الضغط الذي يرافق العمل عن بُعدٍ في ظلِّ الجائحة التي تغزو العالم، والصدمة الناجمة عن الاستماع إلى الأخبار المزعجة التي غزَت نَشرات الأخبار في الأسابيع الأخيرة؛ يمكن أن يُصعِّبا تواصل الموظفين مع بعضهم بعضاً، حيث أظهر بحثٌ أُجري في فترةٍ سابقة أنَّ الضغط والقلق يمكنهما أن يجعلانك أقلَّ انتباهاً إلى سلوكك، وهو أمرٌ يمكن أن يتجلَّى بشكل عمليات تواصلٍ تفتقر إلى الفعالية، وبسلوكٍ فَظٍّ مُحتمَل.
أضف إلى ذلك القيود التي يفرضها ضرورة الحفاظ على التواصل من خلال الرسائل الإلكترونية والعادية ومكالمات الفيديو، عوضاً عن التواجد وجهاً إلى وجه؛ ممَّا قد يجعل التواصل في أثناء العمل الافتراضي مشكلةً حقيقية.
نحن نعيش اليوم في أجواءٍ يكثر فيها إحساسنا بالضغط، وتسودها الكثير من مشاعر الشك، ويُعَدُّ كلُّ يومٍ نقدِّم فيه نتائج مثمرةً يوماً مميَّزاً.
سواءٌ كنت تحاول التأقلم مع القوى الجديدة التي أضحت تسيِّر أعمالنا اليوم، أم كنت تستعدُّ للعمل عن بُعدٍ على المدى البعيد؛ فإليك بعض النصائح للتذكير بآداب التواصل التي تجعل عملية الانتقال سَلِسَةً ومثمرةً قدر الإمكان:
1. مضاعفة الاهتمام بنبرة الصوت والوقت:
أفضل طريقةٍ لتحسين عملية التواصل: الانتباه إلى طريقة تعاملنا مع الضغط على المستويَين الشخصي والمهني.
يجب عليك الاعتراف بأنَّك ربَّما لستَ بأفضل حالاتك؛ ولأنَّك كذلك، فأنت بحاجةٍ إلى مضاعفة الاهتمام بعمليات التواصل التي تقوم بها، وبطريقة تواصلك مع الآخرين.
دع هذا الاهتمام يمتدُّ إلى الأشخاص الآخرين الذين يعملون معك، فمثلاً: إذا علمتَ أنَّ شخصاً يعمل معك قد فقد شخصاً عزيزاً على قلبه، أو يعاني مشكلةً ما؛ فمن اللطيف أن تتواصل معه وتُقدِّم له العزاء، لكن دَع ذلك يكون برسالةٍ إلكترونيَّةٍ منفصلةٍ لا تتضمَّن طلباتٍ لها علاقةٌ بالعمل.
تصرَّف بتهذيب، وأظهر تعاطفك، واعلم أنَّ شخصاً قد مَرَّ توَّاً بمحنةٍ قد يحتاج وقتاً لتجاوزها؛ فلا تَقُل كلاماً يهينه، ولا تطلب منه أن يعتني بك. على سبيل المثال: يلقي إرسال رسالةٍ إلكترونيَّةٍ تقول فيها: "أنا قلقٌ للغاية عليك وعلى عائلتك، أخبرني رجاءً كيف تسير أموركم"، على عاتق الشخص عبء الرد، ويمنحك إحساساً جيِّداً؛ لكنَّك تستطيع عوضاً عن ذلك أن تُبيِّن له أنَّ بإمكانه اللجوء إليك إذا احتاج إلى الحديث مع أحدهم.
إذا اضطررت إلى التواصل شخصيَّاً مع الشخص للحديث معه عن قضيَّةٍ مُستعجلةٍ لها علاقةٌ بالعمل، فعليك أن تعترف صراحةً بأنَّ هذا ليس وقتاً مناسباً، وأن تعتذر عن الإزعاج. امنح الشخص خيار المشاركة، ولا تفترض مسبقاً أنَّه لا يرغب في معرفة ما الذي يحدث في العمل؛ لأنَّ كلّ شخصٍ يتعامل مع الحزن والألم بطريقةٍ مختلفة.
إذا كنت تتوقع أن تسمع ردَّاً منه، فامنحه وقتاً معقولاً لذلك؛ لكن إذا لم يكن قادراً على التواصل، فتستطيع إخباره أنَّك ستؤدِّي المهمَّة بطريقةٍ أخرى.
2. اتِّباع صيغة المُقدِّمة، والعرض، والخاتمة:
قد يكون التواصل عن طريق برنامج "سلاك" (Slack) ومنصَّات التراسل الفوري الأخرى نعمةً ونقمةً في الوقت نفسه، إذ تستطيع أنت وزملاؤك تبادل المعلومات بسرعة من ناحية، ويمكن أن يؤدِّي هذا من ناحيةٍ أخرى إلى اتِّباع ثقافةٍ يُتوقَّع فيها من الموظَّف أن يكون مستعدَّاً دائماً للرد، وموجوداً في كلِّ الأوقات.
كيلا تَحول الرسائل التي لا تنتهي بينك وبين إنجاز أعمالك، ينصحك الخبراء باتِّباع صيغة "المُقدِّمة، والعَرض، والخاتمة"، حتَّى لو كانت الرسائل التي ترسلها رسائل ذات طابعٍ غير رسمي؛ بمعنى: أن تتضمَّن الرسالة تحيَّةً غير رسمية، يليها طلبٌ مُحدَّد أو رسالةٌ مُحدَّدة. قد يزيد إرسال كلمة "مرحباً" وحدها دون أيِّ شيءٍ إحساس المُتلقِّي بالقلق، ولا يتيح له أيضاً تحديد نوع المحادثة التي سيجريها معك حينما يَرُدُّ على رسالتك.
من أجل اختتام عملية التواصل، وحتَّى لا يظلَّ أيُّ طرفٍ من أطرافها في وضعية الانتظار، بإمكان عبارتي "شكراً" أو "سأعود إلى التواصل معك في تاريخ كذا" أن تحافظا على استمرارية الحوار وتختتمانه بشكلٍ طبيعي؛ أمَّا إذا تلقَّيتَ رسالةً فوريةً أو رسالةً إلكترونيةً يحتاج الردُّ عليها إلى وقتٍ طويل، فيجب عليك أن تعرف متى يجب عليك الانتقال إلى إجراء مكالمةٍ هاتفية أو مكالمة فيديو لمناقشة الأمور نقاشاً وافياً.
3. التعاون لإجراء حواراتٍ غير رسمية:
يُعَدُّ الإرهاق الناجم عن كَثرة التواصل عبر مكالمات الفيديو أمراً حقيقيَّاً في المكاتب الافتراضية، وعلى الرغم من أنَّ فكرة قضاء أوقاتٍ ممتعةٍ وإجراء المسابقات عبر الإنترنت لم تَعُد فكرةً جديدةً على الأرجح؛ إلَّا أنَّ التواصل بصورةٍ منتظمةٍ مع مجموعةٍ من الناس يمكن أن يكون طريقةً جيِّدةً للاستمرار في إجراء حواراتٍ غير رسميةٍ مع الآخرين.
بعيداً عن المجاملات الاجتماعية وإظهار الاهتمام بالآخرين، بإمكان عمليات التواصل هذه تعزيز الأمان النفسي الذي تُحِسُّ به مع زملائك، حيث يعني بناءُ علاقةٍ متينةٍ قائمةٍ على الألفة ازدياد احتمال تبادل الثقة والتحلِّي بالصدق إزاء الطرائق التي يمكن اتِّباعها للعمل معاً بصورةٍ فعَّالة.
سيفهم أحدكما أسلوب تواصل الآخر وأسلوب عمله فهماً أفضل، وستَبنِيان أجواءً يُحِسُّ كلاكما فيها بارتياحٍ أكبر، وتستطيعان فيها الحديث عن الأمور التي لا تسير بشكلٍ جيِّدٍ أيضاً؛ فحينما تهتمُّ اهتماماً عميقاً بزملائك وتُظهر لهم الاحترام، يصبح الحديث عن الأخطاء أسهل، ولا تُضطرُّ إلى مواجهة مواقف مزعجة.
4. طرح مشاكل سوء التواصل المُتكرِّرة:
لا مَفرَّ من أخطاء التواصل بكلِّ تأكيد؛ لكن حينما يتكرَّر الخطأ، قاوم الرغبة في طرح المشكلة في أثناء وقوعها مباشرةً؛ لأنَّ القيام بذلك في لحظة انفعالٍ يمكن أن يؤدِّي إلى نشوب الخلافات عوضاً عن التوصُّل إلى حلول. فكِّر عوضاً عن ذلك في المشكلة الأساسية، وفي تأثيرها في قدرتك أو قدرة الفريق على العمل بشكلٍ فعَّال؛ ولا تجعل المسألة تبدو مسألةً شخصية.
إذا كنت تخشى بدءَ حوارٍ مزعج، فينصحك الخبراء بأن تفكِّر في أسوء السيناريوهات -مثل إحساس الشخص الآخر بالإهانة- وفي طريقة التعامل معها. هل أنت مستعدٌّ إلى رفع المسألة إلى المدير أو مسؤول الموارد البشرية إذا احتاج الأمر إلى ذلك؟ فكِّر أيضاً في أفضل السيناريوهات، وفي شكل الحل الذي يمكن أن يكون، ودع الشخص الآخر يعلم مُسبقاً أنَّك ترغب في الحديث معه عن موضوعٍ محرجٍ قليلاً، واسأله متى يمكنه التواجد للحديث عنه بشكلٍ خاص.
سيكون الشخص أكثر استعداداً للاستماع إليك إذا أفسحتَ له المجال للاستعداد للنقاش، عوضاً عن مفاجئته بشيءٍ لم يكن يعلم بأنَّه مشكلة. تذكَّر أنَّ الشخص سيطرح في أثناء الحوار وجهة نظره، وقد يكون ثمَّة ما يبرر تواصله معك بطريقةٍ مُعيَّنة؛ لذا تعامل مع النقاش تعاملاً يكون الهدف منه التوصُّل إلى حلٍّ مشترك.
تكون نتيجة القبول بطرح مشكلةٍ ما: المشاركة في حلِّها، أو الحديث عن شكل الحل الذي يمكن أن يكون، والشيء الوحيد الذي تستطيع التحكُّم به هو مقدار المُساهمة التي تقدِّمها للحوار؛ لذلك فكِّر في طريقة التصرُّف تصرُّفاً مهنيَّاً إذا كان الشخص الآخر كثير الجدال.
5. التعامل مع المديرين الذين يتدخَّلون في أدق شؤون العمل:
من الانتقادات التي تُوجَّه كثيراً إلى العمل عن بُعد أنَّه يُصعِّب على المديرين مراقبة تصرفات الموظَّفين.
قد يحاول بعض المديرين في عالم العمل الافتراضي تعويض بُعد المسافة بالمبالغة في إرسال الرسائل وعَقد الاجتماعات؛ فإذا تحوَّل التدخُّل في أدقِّ شؤون العمل إلى مشكلة، فيجب عليك أن تَدَع المدير يعرف مُسبقاً الوقت الذي تفضِّل فيه الحديث بشكلٍ خاصٍّ عن عدد مرات التواصل وأسلوب التواصل، وأن تفعل ذلك بطريقةٍ تُظهِر حاجتك إلى أجواء مختلفةٍ حتَّى تكون شخصاً منتِجاً.
تحدَّث بصراحة، لكن باقتضاب؛ لكي يتمكَّن المدير من الاستعداد. يمكنك فعل هذا برسالةٍ بسيطةٍ تقول فيها: "مرحباً، هل بإمكاننا الحديث في لقائنا القادم عن تحقيق الكفاءة؟". جهِّز هنا أيضاً بضعة حلولٍ مختلفةً تُحِسُّ معها بالارتياح وتستطيع طرحها على المدير، ودَع خطابك يكون مُؤطَّراً بإطارٍ يبيِّن كيف أنَّ التغيير يصبُّ في مصلحتكما أنتما الاثنين.
مثلاً: إذا تبيَّن أنَّه لا داعي إلى الاجتماع كلَّ يوم، فيمكن أن تقول للمدير: "أريد أن أتأكَّد من أنَّ لديَّ ما يكفي من المعلومات لأقدِّمها لك حينما نجتمع؛ لأنَّني لا أريد أن أبدِّد الوقت. لذا أعتقد أنَّه من الأفضل أن نتواصل كلَّ أسبوعٍ عوضاً عن كلِّ يوم".
تذكَّر أنَّك لا تستطيع التحكُّم إلَّا بسلوكك:
يمكنك الحصول على أفضل فائدةٍ يمكن أن تُجنَى من نصائح آداب التواصل حينما تُطبِّق هذه النصائح على نفسك؛ فمثلاً: إذا شعرت أنَّ الآخرين يرسلون إليكَ رسائل إلكترونيَّةً فظَّةً ووقحة، فدَع هذه الرسائل تُذكِّرك بأن تكون أكثر مُراعاةً للآخرين حينما تكون أنت من يجلس خلف لوحة المفاتيح.
إنَّه لمن الصعب تقييم سلوكات الآخرين؛ لذلك تُعَدُّ قواعد الآداب أداةً مفيدةً للتأمُّل الذاتي والتطوير، عوضاً عن إصلاح عيوب الأشخاص الآخرين.