في مرات كثيرة يطلب مني بعض الأصدقاء مراجعة سيرهم الذاتية باللغة العربية والإنقليزية، وفي إحدى المرات كتبت سيناريو قصير لسيرة ذاتية لأحد المدربين أنتجها في فيديو موشن قرافيك، وأخذت مالا مقابل ذلك. وقبل أيام مررت بمقالة جميلة على موقع زد حول أبرز العبارات التي تُكتب في السيرة الذاتية لتكون جاذبة وتزيد احتمالية الفوز بالوظيفة. في تلك اللحظة تساءلت في نفسي عن سيرتي الذاتية فلست أذكر متى آخر مرة رأيتها أو احتجت إليها. أنا متأكد بأنها ما زالت بنسختها الأولى التي يحاول فيها الخريجون حصر أي شيء يملأ الصفحة، وليس بعد شهادة البكالوريوس إلا دورات متناثرة أبرزها (رخصة قيادة الحاسب الآلي) التي أظنها أصبحت من الماضي الذي نحدث به جيل الألفية. هل ما زالت رائجة؟
على أية حال، بالرغم من ذلك فمنذ تخرجت بفضل الله وأنا على رأس العمل، وعملت لدى مؤسسات مختلفة وبأنماط متنوعة منها الدوام الكامل والجزئي والعمل عن بعد والعمل الحر، فخطر ببالي السؤال التالي: كيف نجحت من دون سيرة ذاتية؟ (النجاح هنا قصدت به كل خطوة صغيرة إلى الأمام). هذا السؤال جعلني أتأمل كثيرا ثم رأيت أن أشارك القراء بعض ما وصلت إليه فربما يستفيد من مقالتي أحد ما زال عالقا عند بوابة السيرة الذاتية الوهمية.
التميز في الدراسة يختصر الكثير
تميزت في دراستي الجامعية ولكني لم أكن من الذين جربوا فرصة العمل بدوام جزئي أو الانضمام لمشاريع ريادية أثناء الدراسة، وهذا أمر تمنيت لو نصحني به أحد، وقد كتبت سابقا عن النصائح التي تمنيت لو سمعتها أثناء دراستي الجامعية. على أية حال، بعدما تخرجت في كلية اللغات والترجمة تقدمت لوظيفة معيد في قسم اللغة الإنقليزية، وانتظرت سنة كاملة قبل أن يأتي الخبر الجميل بقبولي معيدا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. كان السبب بعد توفيق الله أني كنت من الأوائل، ونجحت في المقابلة الشخصية، ولأني من أبناء الكلية فلم يكن لزاما علي تقديم سيرة ذاتية احترافية، ولو قدمتها فستكون سطرا واحدا يشير إلى شهادة البكالوريوس. كنت خلال انتظار التعيين أعمل في وظائف أخرى تيسرت لي بغير السيرة الذاتية سأحكي بعضها في هذا المقال. وعلى النقيض من حالتي فأنا أعرف بعض الأصدقاء المبدعين جدا في تخصصاتهم التي درسوها في الجامعة، ولكنهم لم يحصلوا على وظيفة في التعليم فضلا عن الإعادة في جامعة، وذلك بسبب تدني المعدل الدراسي. كيف أقول أنهم مبدعون إذن؟ هذا ليس غريبا، فأمثال هؤلاء يعاملون المواد التي يدرسونها معاملة الهواة، بينما التقييم الجامعي لا يعرف سوى ورقات الإجابة في الامتحانات التي تشمل طيفا واسعا من المواد قد يصل نصفها إلى مواد في غير التخصص.
العلاقات تجلب الفرص
بينما كنت أنتظر وظيفتي في الجامعة اتصل بي صديق وأخبرني أنه تولى إدارة العلاقات العامة في مؤسسة إعلامية، ويريدني معه، وهو من أصدقاء المدرسة الذين ما زلت أشرف بقربهم، وكان يعرف أني في تلك الفترة كنت قد أنهيت برنامجا تدريبيا في مسارات إعلامية متنوعة، فلم يجد أفضل مني. خريج ينتظر فرصة العمل، وجاد في تطوير خبراته، وحضر أكثر من ٢٠ دورة في الصحافة والإعلام، فهذا هو الشخص المناسب. وافقت مباشرة وبدأت العمل بدوام جزئي. لم يخب ظن صاحبي فتميزت وواصلت حتى بعد استقالته. وعملت بعد ذلك مع مؤسسات أخرى وكل الفرص كانت دون تقديم سيرة ذاتية تقليدية وإنما بتوصية وعلاقات شخصية، كما يُسمى في عالم التوظيف بالاستقطاب (وهو شيء مختلف عن الواسطة التي تضع من لا يستحق في مكان لا يستحقه).
كيف تنوع علاقاتك؟
ببساطة اخرج من دائرتك الصغيرة، الاستراحة، الديوانية، واحضر ملتقيات اجتماعية متنوعة بحسب اهتماماتك أو اهتمامات قريبة من مجالك.
تنويع الخبرات يزيد الفرص
في أحد الأيام قبل قرابة ١٠ سنوات سجلت في إحدى فعاليات تيدكس بمدينة الرياض، وكانت في مدارس المناهج تحديدا وأظنها المرة الأولى لهذه الفعالية فكان حدثا مميزا. فلما حضرت رأيت عددا من الأصدقاء، فهمس أحدهم في أذني “لا تمشي أبيك بموضوع”. بعد انتهاء الفعالية التقينا وقال: أنت الرجل المناسب فهل عندك مانع من السفر معنا في الصيف؟ نحتاجك للإشراف على برنامج تعليم لغة إنقليزية في إيرلندا، وبخبرتك في السفر خارج المملكة، والمشاركة في الأندية الصيفية والأنشطة الاجتماعية، وإلمامك باللغة الإنقليزية، كلها مواصفات تقول أنك الرجل المناسب. أعطيته الموافقة المبدئية فأبلغ الشركة المنظمة للبرنامج، فتواصلوا معي لتحديد مقابلة، فكان الأمر كما قال صاحبي، حيث أخبرني المدير بعد انتهاء البرنامج أنهم قابلوا عدة أشخاص ولكني كنت الأجدر، فقدموا لي العرض المناسب ورافقتهم لسنتين فتعلمت واستفدت من الصغار والشباب ومن الزملاء المرافقين، وأتمنى أني كنت عند حسن الظن. بعد تجربة سنتين اعتذرت عن المواصلة رغم العروض المميزة وذلك لارتباطي بظروف دراسية وأعمال أخرى، ومع ذلك فهذه التجربة من أميز تجاربي العملية، والفضل بعد توفيق الله كان بسبب تنوع الخبرات والعلاقات. الفرص تريدنا ولكن نحتاج أن نفتح لها الطريق.
كيف تنوع خبراتك؟
جرب أشياء جديدة، ولو على مستوى بسيط، وحاول إيجاد مساحة مشترك تجمع بين اهتماماتك المختلفة. هذه المساحة فيها فرص وغالبا تقل فيها المنافسة.
تنويع المهارات يفتح أبوابا جديدة
مع ظروف الابتعاث والدراسة خارج المملكة صارت فرص العمل أقل من ناحية الوقت المتاح في يومي، فغالبه يذهب للدراسة، والباقي لأسرتي ونفسي. هذه الالتزامات جعلتني ألتفت لمهاراتي التي يمكن استغلالها في توفير مصدر دخل جيد لا يتطلب سوى سويعات معدودة في الأسبوع. الترجمة والكتابة هما صنعتي، فبدأت بالتواصل مع بعض الأصدقاء ليكونوا أول العملاء، وهؤلاء الأصدقاء صاروا يجلبون عملاء وهكذا تتوسع الدائرة. فأصبح لا يمر أسبوع دون مشروع جديد. ولأن عملائي يأتون بتوصيات فلم يطلب أحدهم سيرة ذاتية وغالبهم لا يسأل عن أعمالي السابقة لأنه ربما يكون قد رأى ما قدمت لصاحبه. هذه لمحة مختصرة حول عملي المستقل، ولكنها تجربة طويلة بدأت بأعمال مجانية وتطوعية قد أحكيها في مقال منفصل.
كيف تنوع مهاراتك؟
أيضا جرب. عن نفسي جربت أشياء كثيرة على مستوى المهارات، والذي لم أتقنه منها أضعاف ما أتقنه. التجربة وحدها هي من يكشف لي هذه المعلومة.
لماذا كتبت هذا المقال إذن؟
كتبت هذا المقال لأني أرى كثيرا من الناس يتعلقون بالسيرة الذاتية ويسعون لحشوها بكل شيء وكأنها المنفذ الوحيد لسوق العمل، وهذا التعلق قد يجعل المرء يغفل عن مهاراته الحقيقة التي يمكن أن يبدأ بالكسب منها، وقد تعميه ورقة السيرة الذاتية عن فرص عمل أوسع من الجلوس في المكاتب التقليدية.
ببساطة.. هذا المقال ليس للتهوين أو التقليل من شأن السيرة الذاتية المهنية وإنما لألفت النظر إلى جوانب أخرى قد تكون أكثر أهمية ولم تأخذ حقها من الاهتمام، وتجربتي بسيطة جدا، وأعرف من فازوا بفرص أفضل مني بكثير، وحصلوا عليها دون عناء ملاحقة الإعلانات الوظيفية وإرسال السير الذاتية في كل اتجاه.
فلا تشغلك ورقة السيرة الذاتية عن قوّتك في كسب قُوتك.