وفقاً لما قاله كالاس، اكتشف ستيف جوبز ثغرةً في قانون تسجيل المركبات في كاليفورنيا؛ حيث يمتلك كلِّ شخصٍ يقوم بشراء سيارةٍ جديدةٍ مدّةً تُقَدّر بستة أشهرٍ إلى أن يحصل على لوحة قيادةٍ خاصَّةٍ بها، وفي هذه الفترة يمكنه أن يقودها بدون تلك اللوحة.
وحالما أدرك ذلك، وقَّع جوبز عقد تأجيرٍ مع وكيل شركة مرسيدس ينصُّ على تبديل سيارته كلَّ ستة أشهر بواحدةٍ جديدة، بحيث لا يتجاوز وجودها لديه هذه المدَّة. ومن جهةٍ أخرى، لن يضطر إلى الذهاب إلى إدارة المركبات للحصول على رخصة لها.
وكان ردُّ فعل النَّاس على ذلك بأن قالوا: "هذا ما يفعله الإنسان عندما يكون لديه فائضٌ من المال". لكن لنكن صريحين، على الرَّغم من أنَّ هذه الطَّريقة بعيدةٌ كلَّ البعد عن المنطق بالنسبة إلى الكثيرين منَّا، لكن إن أمعنت التفكير تجدُ جانباً إيجابياً للأمر، فقد كان جوبز يحاول استثمار الوقت.
استثمار الوقت مقابل استنزافه:
تعتمد الكثير من استراتيجيات الإنتاجية على التماس النتائج على المدى القريب؛ مثل كيفية تنظيم قائمة مهامك، وزيادة تحصيلك في كلِّ يوم وآخر، واختصار وقت الاجتماعات، وما إلى ذلك. إنَّ جميع ما جرى ذكره يعدُّ ضرورياً.
غالباً لا يكون إدراكنا للأمور في مكانه، فقد يكون لبعض الخيارات الاستراتيجية تأثيرٌ على نطاقٍ واسع، وهذه الخيارات تتراوح بين استثمار الوقت أو تبديده.
استثمار الوقت هو إجراءاتٌ تقوم بها بغية استغلال وقتك والحفاظ عليه لاحقاً.
تعدُّ البرمجة خير مثالٍ على ذلك، فعندما تصرف وقتك مرةً واحدةً في صنع برنامج، سيوفر هذا البرنامج عليك الكثير من الوقت على مدار الأيام المقبلة. إذاً، لعلَّ استثمار الوقت بفكرةٍ مثمرةٍ ومناسبةٍ يدفعك خطواتٍ إلى الأمام.
كما أنَّ نظام استئجار السيارات الذي اتبعه ستيف جوبز مثالٌ آخر على هذا المفهوم، حيث تطلَّب الأمر منه وقتاً لإيجاد تلك الثَّغرة في القانون، وترتيب المجريات بما يتماشى ومصلحته، وإنَّ هذه الخطوة كافأته بوقتٍ إضافيٍّ ومتاعبَ أقل.
وفي المقابل، فإنّ استنزاف الوقت هو أساليبٌ تتَّبعها وقد تراكم عليك الكثير من الأعمال في المستقبل.
إنَّ البريد الإلكتروني واحدٌ من تلك الإشكالات التي يُقدِم عليها بعض الناس يومياً؛ فإن أرسلت بريداً الكترونياً لأحدٍ ما، فسوف تجلس وتنتظر الرَّد منه، وكلُّ بريدٍ إلكترونيٍّ تُرسِله يرتدُّ عليك بآثارٍ سلبيةٍ لاحقاً.
وهذا لا يستدعي القول بأنَّ إضاعة الوقت دوماً سلبيَّة، فلربَّما تستمتع بوقتك الذي تمضيه في العمل مع لجنة المدرسة أو التطوُّع في منظماتٍ محلية؛ لكن عندما تقوم بهذه النشاطات ستكون ملزماً -في وقتٍ ما مُستقبَلاً- بتعويض ما فاتك، ولعلَّ ما تضحِّي بوقتك من أجله أحياناً يستحق ذلك، وأحياناً أخرى قد تندم على فعلك هذا. إليكَ بعض الأمثلة:
أمثلة على استثمار الوقت:
- الدردشة: يمكنك إنشاء صفحةٍ على موقعٍ إلكترونيٍّ تُجيب على جميع أسئلة واستفسارات المتابعين، وتزيد من كفاءتهم وخبرتهم، كما تزوِّد توضيحاتٍ وإجاباتٍ شافية عن كافَّة الأسئلة المتكررة، أو بنموذجٍ عن كيفيَّة التسجيل في الموقع، والهدف من هذا النظام رصد توقُّعاتٍ واضحةٍ وإجاباتٍ عن جميع الأسئلة الشائعة التي قد تسلتزم الإجابة عبر البريد الإلكتروني.
- المحاسبة: من خلال وضع قواعد واضحةً للحسابات، حيث تستطيع تطوير نظامٍ يقوم بأنشطة الجرد تلقائياً كلَّ شهر، ممَّا يوفِّر عليك عناء ملاحقة جميع أمور عملك بنفسك.
- إنَّ الجدولة وحجز المواعيد والإتصالات والمقابلات، جميعها تتطلَّب قضاء وقتٍ مديدٍ على البريد الإلكتروني، ولعلَّ استخدام برامجٍ مثل (ScheduleOnce) يخلِّصك من تلك الإشكالية، ويساعد الناس في الاختيار من خلال قائمةٍ مُعدّةٍ مسبقاً وتوضِّح الأوقات المتاحة، كما أنّه سهل الاندماج مع تطبيقات مؤتمرات الفيديو عبر الإنترنت مثل زوم.
أمثلة على هدر الوقت:
- كلُّ بريدٍ إلكتروني تقوم بإرساله سوف تكون ملزماً لاحقاً بالرَّد عليه.
- التّعليقات، إنَّه أمرٌ محبَّبٌ بالنسبة إلينا أن نرى تعليقاتٍ إيجابية على ما نقوم بنشره، ولا نقوم أبداً بحذفها. لكن، في كلِّ مرَّةٍ نفسح فيها المجال لكتابة التَّعليقات على أشياء ننشرها، نكون قد وضعنا ديناً على أنفسنا ووقتنا في الأيام المقبلة بأن نطَّلع عليها ونقوم بالتعديلات اللازمة.
- الجودة القليلة تُجدي نفعاً، فمثلاً: إن لم تُعدِّل وتنجز مقالتك الآن ستقوم بذلك لاحقاً، وينطبق الشيء ذاته على البرمجة الرديئة أيضاً؛ حيث يستوجب الأمر إصلاح الوضع في وقتٍ لاحق. وفي حال قيامك بصنع منتجاتٍ سيئة في البداية، سيتوجب عليك فيما بعد أن تلبِّي متطلَّبات المستهلك وتعيد له أمواله. أيُّ عملٍ تنجزه ولا تعطيه حقَّه من جهدٍ وتفانٍ هو دينٌ يُحسَب عليك، وينبغي أن تردَّه في المستقبل القريب أو البعيد.
تنظيم الوقت:
يعدُّ التنظيم ورسم طريقٍ لبلوغ الأهداف أهمَّ بكثيرٍ من الهدف نفسه، واستثمار الوقت أكبر دليلٍ على ذلك؛ وكلُّ مرّةٍ تستثمر وقتك فيها يصبَّ ذلك في خدمتك يوماً بعد يوم. إن كان لديك الكثير من العمل المؤجل، فهذا يعني أنَّك تعاني فجوةً في الإنتاجية بسبب خياراتك غير المناسبة. على أيِّ حال، إن نظَّمت واستثمرت وقتك جيداً يزداد الوقت لديك باطراد.
أن تقود سيارتك من غير لوحة قيادةٍ فهذه طريقةٌ مبالغٌ فيها لحفظ الوقت وعدم هدره، ولكنَّ لها جانب مشرق، فهي استراتيجية تفكيرٍ لا يمتلكها أناسٌ كُثر، وهي ليست مُقتصرةً على ستيف جوبز، بل متاحةً للجميع.
إنَّ الوقت الضائع لابد من تعويضه، لذا كُن على حذرٍ في اختياراتك؛ لأنَّ استثمار وقتك يصبُّ في مصلحتك دوماً، فحبَّذا الالتزم به.