يعلم كلّ من يعمل في مجال الموارد البشرية أنَّ أوَّل 90 يوماً في العمل تحدّد إن كان الموظف الجديد سيُكتَب له النجاح على المدى البعيد في الشركة أم لا، إذ وفقاً لـ "كلية سلون للإدارة" تُظهِر الدراسات أنَّ تكلفة تعيين الموظفين وتدريبهم تبلغ ضعف رواتبهم السنوية بمقدار 1,25-1,4، لذلك يُعَدُّ اختيار الموظفين بشكلٍ جيّدٍ مهمَّاً جدَّاً لتحقيق الاستقرار المالي للشركة. نتيجةً لذلك يُدرَّب موظفو الموارد البشرية على اكتشاف أيَّة إشارات تدلُّ على أنَّ الموظف المُحتمَل سيقدم أداءً أدنى من المُتوقَّع ثمّ يبذلون أقصى ما في وسعهم لعلاج تلك الإشارات بشكلٍ سريع، وإلَّا يُطلَب منهم فصل الموظف من عمله خلال مدة 90 يوم، وثمَّة في معظم عقود العمل حقيقةً شرطٌ يقول إنَّ في إمكان رب العمل إنهاء عمل الموظف خلال 90 يوماً دون إبداء الأسباب. لا يوجد شيءٌ يستنزف وقت الشركة، وأموالها، ومواردها أكثر من تعيين موظفين غير مؤهلين فيها، لكن ما السر في ذلك؟
حينما لا ينجح موظفٌ جديد يفترض الناس غالباً أنَّه لم ينجح لأنَّه لا يمتلك المهارات المناسبة، لكنَّ ذلك يكون عادةً بسبب شخصية الموظف والنهج الذي يتَّبعه في التعامل مع الوظيفة. إذا لم يُلائِم الموظف ثقافة الشركة يصبح من الصعب على الموظفين الملائمين لثقافتها إيجاد طريقةٍ مناسبةٍ للعمل مع هذا الموظف، ولن يُسَرَّ الموظفون حينما يضطرون إلى العمل مع أشخاصٍ لا يثقون بهم ولا يحترمونهم، وهذا يؤدي إلى مواجهة فريق العمل مشاكل على مستوى الإنتاجية وهذه المشاكل تؤدي لاحقاً إلى ظهور مشاكل على مستوى الأداء. يجب على المدير في نهاية المطاف أن يقرر مَن الموظف الذي يُلحِق الضرر وأن يتخلّص من الموظف الذي يشكّل أضعف حلقة تواصل بين الموظفين. نظراً إلى أنَّ الموظفين الجديدين يُعيَّنون غالباً في فرقٍ يعمل أعضاؤها معاً بشكلٍ جيد منذ مدةٍ بعيدة يمكنك أن ترَ لماذا أضحى من المهم اتخاذ قرارٍ سريعٍ بخصوص قدرة الموظف الجديد على الانسجام مع المجموعة، فإذا كان الموظف الجديد غير قادرٍ على الانسجام معها لا يوجد ما يبرر إجبار الجميع على العمل معه، وسيكون خيار السماح له بالمغادرة والبحث عن بديلٍ أنسب منه خياراً أكثر ذكاءً.
فيما يلي خمسة سلوكات تشير ممارستها من قِبَل الموظف الجديد إلى أنَّه لا يمكن أن يستمرّ في العمل:
1-أن يدَّعي بأنَّه يستطيع فعل كلّ شيء:
حينما ينضمُّ موظفٌ جديدٌ إلى العمل ويدَّعي أنَّه بارعٌ في كلّ شيءٍ فإنَّه يرسل رسالةً إلى باقي الموظفين مفادها أنَّه أفضل منهم، تُعَدُّ الثقة بالنفس مهمةً بكلّ تأكيد، لكنَّ الشخص الذي يدَّعي أنَّه قادرٌ على القيام بكلّ شيءٍ يبدو مثل بائعٍ نَصَّاب. يُفضَّل أن يحدّدَ كلّ موظفٍ اختصاصه وألَّا يقترب من اختصاصات الآخرين، ويجب على الموظفين الجديدين خلال أول 90 يومٍ لهم في العمل أن يقضوا وقتهم في التعرّف إلى الإسهامات التي يقدمها كلّ شخصٍ في الفريق بحيث يستفيدون من نقاط قوة هؤلاء ويستثمروا نقاط قوتهم في مساعدة الفريق في تحقيق النجاح.
2- أن يُطالب بتلبية احتياجاته قبل أن يبدأ عمله:
يُصنَّف الموظفون الجديدون الذين يُعبِّرون للآخرين بشكلٍ صريحٍ عن شروطٍ تحدد العمل الذي يؤدونه والمواعيد التي يؤدون فيها أعمالهم ضمن قائمة الموظفين الذين يحتاجون إلى دعمٍ كبيرٍ يُثقِل كاهل أقرانهم. حينما يُقدِّم الموظفون الجديدون قائمة مطالب قبل أن يؤدوا أعمالهم فإَّنهم يثقلون كواهل الآخرين بمزيدٍ من العمل. يجب على الموظفين الجديدين أن يركزوا اهتمامهم على تعلُّم طرق جديدة يستطيعون من خلالها جعل أعمال زملائهم أكثر سهولة، إذ كلما ازدادت القيمة التي يقدمها شخصٌ ما للفريق سرعانما عَدَّه الآخرون شخصاً صاحب مساهمةٍ فعالة.
3- ألَّا يتحدّث إلَّا مع الأشخاص المهمين:
الموظفون الجديدون الذين لا يَبْدُوْنَ متحمّسين إلَّا حينما يتحدّثون مع أشخاصٍ يعتقدون بأنَّ لهم نفوذاً في الشركة هم أشخاصٌ انتهازيون ولا يُجيدون العمل الجماعي. حينما لا يُبدي الموظفون الجديدون أيّ اهتمامٍ بالتعرّف إلى موظف الاستقبال أو إلى الأشخاص الذين يعملون في الأقسام الأخرى فإنَّهم لا يرون القيمة التي يضيفها إظهار الاحترام للمساهمات التي يقدمها كلّ عضوٍ من أعضاء الفريق. يجب على الموظفين الجديدين أن يركزوا الاهتمام على بناء علاقة صداقةٍ مع كلّ مَن يقابلونهم في الشركة لأنَّهم لا يعلمون مساعدة مَن مِن موظفي المنظمة سيحتاجون مستقبلاً.
4- أن يبحث دائماً عن المكاسب:
يُظهِر الموظفون الذين يتحدثون منذ بداية العمل عن الحصول على ترقيةٍ وتولّي أدوارٍ أهمّ ميولاً نرجسية. يشير هذا النهج الأنانيّ الذي يتَّبعونه في عملهم إلى أنَّهم يفعلون أيّ شيءٍ ليحققوا أهدافهم ويدوسون أيّ أحدٍ يقف في طريقهم. يجب على الموظفين الجديدين أن يركزوا الاهتمام على إتقان أعمالهم الجديدة وأن يسعوا إلى تجاوز التوقعات، إذ تُعَدُّ المواظبة على تقديم أداءٍ جيّدٍ في العمل أفضل طريقةٍ لكَسب الثقة والاحترام اللذين يمكن على أساسهما أن يُرقَّى الموظفون مستقبلاً.
5- أن يطلب من الآخرين ألَّا يتوقعوا منه أن يُجهِد نفسه:
يُظهِر الأشخاص الذين لا يبذلون إلَّا الحدّ الأدنى من الجهد عدم التزامٍ ببناء شراكةٍ قائمةٍ على المنفعة المُتبادلة مع ربّ العمل. تحتاج جميع العلاقات الجديدة إلى بذل بعض الجهود الإضافية للمساعدة في بناء علاقةٍ جيدة، وحينما يبدو أنَّ الموظفين الجديدين غير مهتمِّين برضا ربّ العمل عن أدائهم في بداية العمل لا يمكنك أن تتوقع إلَّا أن ينخفض أداؤهم مع مرور الأيام. لا يمكن الاعتماد على هؤلاء أيضاً عندما يكون ثمَّة فجأةً حاجةٌ إلى مساعدةٍ إضافيّةٍ لإنجاز العمل. يجب على الموظفين الجديدين ألَّا يكتفوا بتركيز الاهتمام على إرضاء رب العمل بل على العثور على طرق لتعزيز إنتاجيتهم بحيث يكون لديهم وقتٌ وجهدٌ إضافيان يبذلانهما في تجاوز التوقعات.
إذا كنت ربّ عملٍ احرص على مراقبة الموظفين الجديدين بعنايةٍ لترى إن كانوا يمارسون أيَّاً من الإشارات التحذيرية المذكورة في الأعلى حتى تتفادى بشكلٍ عاجلٍ أيَّة خسائر. أمَّا إذا كنت موظفاً جديداً تَحَلَّ بروح المبادرة واطلب المساعدة في تجربة العمل الجديدة بحيث تتمكّن من ضمان تقديم أداءٍ جيّدٍ في فترة الـ 90 يوم الأولى، وإلَّا قد تبدأ البحث عن وظيفةٍ جديدة بأسرع ممَّا تتوقع.