عندما تفكِّر في "قائدٍ مثالي"؛ فما الذي يخطر في بالك؟ قد تتخيَّل شخصاً لا يفقد السيطرة أبداً على أعصابه مهما كانت المشكلة التي يواجها، أو قد تفكِّر في شخصٍ لديه كامل الثقة في طاقمه، ويستمع إلى فريقه، ويمكِن التحدث إليه بسهولة، ويتَّخذ دائماً قراراتٍ مدروسةً بعناية. إنَّ هذه الصفات هي صفات الشخص الذي يتمتع بدرجةٍ عالية من الذكاء العاطفي، وسنلقي نظرةً في هذه المقالة على سبب أهمية الذكاء العاطفي في الادارة والقيادة، وكيف يمكِنك كقائد تحسين ذكاءك العاطفي.
ما هو الذكاء العاطفي؟
إنَّ الذكاء العاطفي هو قدرتك على فهم عواطفك وعواطف الأشخاص المحيطين بك وإدارتها؛ حيث يَعرف الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات عالية من الذكاء العاطفي ما يشعرون، وما تعنيه عواطفهم، وكيف يمكِن لهذه العواطف أن تؤثِّر في الأشخاص الآخرين، وبالنسبة إلى القادة فإنَّ التمتع بالذكاء العاطفي يُعدُّ أساساً للنجاح في الإدارة والقيادة، وفي النهاية مَن هو الذي يملك فرصاً أكبر في النجاح؟ هل هو القائد الذي يصرخ في وجه فريقه عندما يحسُّ بالضغط؟ أم أنَّه القائد الذي يبقى متحكماً بزمام الأمور ويقيِّم الوضع بهدوء؟
أركان الذكاء العاطفي:
وفقاً لـ "دانييل جولمان" (Daniel Goleman) عالم النفس الأمريكي الذي كان له اليد الطولى في انتشار مفهوم الذكاء العاطفي، فإنَّ ثمَّة خمسة أركان رئيسة للذكاء العاطفي:
- الوعي الذاتي.
- التنظيم الذاتي.
- التحفيز.
- الشعور بالآخرين.
- المهارات الاجتماعية.
وبصفتك قائداً، كلما كنتَ متمرِّساً في هذه المجالات، كان ذكاءك العاطفي أكبر؛ لذا دعنا نلقي نظرةً على كلِّ ركن من هذه الأركان بشكلٍ أكثر تفصيلاً، ونتعرف إلى الطريقة التي يمكِنك من خلالها أن تنمو كقائد واهمية ذلك في الإدارة والقيادة.
مهارات الذكاء العاطفي في الإدارة والقيادة:
1. الوعي الذاتي:
إذا كنتَ تتمتع بالوعي الذاتي؛ فإنَّك تعلَم دوماً بماذا تشعر، وتعلَم أيضاً كيف يمكِن لعواطفك وأفعالك أن تؤثِّر في الأشخاص من حولك؛ فتمتُّعك بالوعي الذاتي عندما تكون في منصبٍ قيادي يعني أيضاً امتلاكك صورةً واضحة لنقاط ضعفك ونقاط قوَّتك ويعني أيضاً أنَّك متواضع.
إذاً ما الذي يمكِنك القيام به لتحسين وعيك الذاتي؟
- كتابة اليوميات: تساعدك كتابة اليوميات على تحسين وعيك الذاتي، فإذا خصصتَ بضع دقائق يومياً لكتابة أفكارك؛ فإنَّ ذلك يمكِن أن يدفعك نحو درجةٍ أعلى من الوعي الذاتي.
- التأنِّي: عندما تغضب أو تشعر بغير ذلك من العواطف الجياشة؛ تمهَّل لاكتشاف سبب شعورك بذلك. وبغضِّ النظر عن الحالة التي تعيشها، تذكَّر أنَّه يمكِنك دائماً التحكم بطريقة تفاعلك مع هذه العواطف.
2. التنظيم الذاتي:
من النادر أن يهاجم القادة الذين ينظِّمون أنفسهم بشكلٍ فعال على الآخرين لفظياً، أو يتخذوا قراراتٍ عاطفيةً أو متسرعة، أو يطلقوا أحكاماً غير دقيقة على الآخرين، أو يتنازلوا عن قيمهم، فالتنظيم الذاتي هو الحفاظ على التحكم بزمام الأمور، وفقاً لـ "جولمان" فإنَّ عنصر الذكاء العاطفي هذا يشمل تقبُّل القائد للمساءلة الشخصية والتزامه بها. إذاً كيف يمكِنك تحسين قدرتك على التنظيم الذاتي؟
- اعرف قيمك: هل تعرف بوضوح الأمور التي لستَ مستعداً للتنازل عنها على الإطلاق؟ وهل تعرف أكثر القيم أهميةً بالنسبة لك؟ خصِّص بعض الوقت لاكتشاف "قواعد السلوك" الخاصة بك، فإذا كنتَ تعلم ما هو أكثر القيم أهميةً بالنسبة لك؛ فإنَّه لن يتوجب عليك على الأرجح التفكير مليَّاً عندما تضطر إلى اتخاذ قرار مرتبطٍ بقضيةٍ أخلاقية؛ لأنَّك حتماً ستتخذ القرار الصحيح.
- حاسِب نفسك: إذا كنتَ تميل إلى إلقاء اللوم على الآخرين عندما تسير الأمور بشكلٍ خاطئ؛ فتوقَّف عن ذلك، واعترِف بأخطائك، وواجِه عواقبها مهما كانت؛ سيساعدك هذا على الأرجح على النوم بشكلٍ أفضل في الليل، وستكسب بسرعةٍ احترام الأشخاص الذين يحيطون بك.
- جرِّب أن تكون هادئاً: في المرة القادمة التي تواجِه فيها وضعاً صعباً، كن على حذرٍ من طريقة تصرُّفك، هل تخفف الضغط عن نفسك من خلال الصراخ في وجه أحدهم؟ جرِّب تمارين التنفس بعمق لتهدِّئ نفسك، وجرِّب أيضاً كتابة الأشياء السلبية التي تود أن تقولها على ورقة، ومن ثمَّ مزِّق الورقة وارمها، ويُعدُّ التعبير عن هذه العواطف على الورق (وعدم إظهارها لأي شخص) أفضل من الجهر بها أمام فريقك، حيث يساعدك هذا بالإضافة إلى ذلك على قياس ردود أفعالك لضمان أنَّها ردود أفعالٍ غير مبالغٍ فيها.
3. التحفيز:
يعمل القادة المتحفزون بشكلٍ دؤوب من أجل تحقيق أهدافهم، ولديهم طموحات كبيرة في مجال عملهم في الإدارة والقيادة، فكيف يمكِنك تحسين الحافز لديك؟
- أعد التفكير في السبب الذي يدفعك إلى القيام بعملك: من السهل نسيان الأشياء التي تحبها بالفعل في مهنتك؛ لذا خصِّص بعض الوقت لتذكُّر السبب الذي جعلك تختار هذه الوظيفة، وإذا كنتَ غير سعيدٍ بالدور الذي تؤديه، وتواجِه مشكلة في تذكُّر السبب الذي جعلك ترغب في الحصول على هذا الدور، جرِّب إيجاد أساس المشكلة، حيث يساعدك البدء من الأساس على التعامل مع الحالة بطريقةٍ مختلفة، وتأكَّد من أن تكون بيانات الهدف لديك جديدة ومنشِّطة.
- اعرف أين تقف: حدِّد درجة تحفُّزك في الإدارة والقيادة.
- كن متفائلاً وابحث عن الأشياء الجيدة: إنَّ القادة المتحفزين هم عادةً قادةٌ متفائلون مهما كانت المشكلات التي يواجهونها، وقد يحتاج التحلي بهذه الصفة إلى التدرُّب ولكنَّه أمرٌ يستحق العناء؛ ففي كلِّ مرةٍ تواجه فيها تحدياً أو حتى إخفاقاً، حاوِل أن تخرج على الأقل بشيءٍ واحدٍ جيِّدٍ من الحالة التي تمر بها، وقد يكون هذا الشيء شيئاً بسيطاً كعلاقةٍ جديدة، أو أمرٍ ما ذي تأثيرٍ طويل الأمد كتعلُّم أحد الدروس المُهمة. ولكن إذا ما بحثتَ فثمَّة دائماً شيءٌ إيجابي.
4. الشعور بالآخرين:
يُعدُّ الشعور بالآخرين أمراً أساسياً للنجاح في الإدارة والقيادة، سواءً في إدارة الفريق أو المنظمة بالنسبة إلى القادة؛ حيث إنَّ القادة الذين يمتلكون هذه الميزة لديهم القدرة على وضع أنفسهم مكان الأشخاص الآخرين، فهم يساعدون على تطوير الأشخاص الذين يعملون ضمن فرقهم، ويقفون في وجه الأشخاص الذين يتصرفون بطريقةٍ غير صحيحة، ويقدِّمون التغذية الراجعة البنَّاءة، ويستمعون إلى الأشخاص الذين يحتاجون إلى أن يستمع أحدٌ إليهم، فإذا كنتَ ترغب في كسب احترام فريقك وولاءه، أظهِر لهم أنَّك تهتم بهم عبر كونك متعاطفاً معهم.
كيف يمكِن أن تبرهن شعورك بالآخرين؟
- ضع نفسك في مكان الآخرين: من السهل أن تدعم وجهة نظرك فهي وجهة نظرك في النهاية، ولكن يجب عليك أن ترى الحالات من وجهة نظر الآخرين.
- انتبِه إلى لغة الجسد: عندما تستمع إلى شخصٍ ما قد تضم ذراعيك فوق صدرك، أو تحرِّك ظهرك إلى الأمام وإلى الخلف، أو تعض على شفتك، وتُظهر هذه التعابير التي تُسمَّى بلغة الجسد للآخرين شعورك الحقيقي تجاه حالةٍ ما وما إذا كانت الرسالة التي تبعث بها غير إيجابية، فإنَّ تعلُّم قراءة لغة الجسد يمكِن أن يكون ميزةً حقيقية إذا ما كنتَ تؤدي دوراً قيادياً؛ لأنَّك ستكون قادراً على تحديد الشعور الحقيقي للأشخاص بشكلٍ أفضل، وهذا ما يتيح لك الفرصة للتجاوب مع الآخرين بشكلٍ مناسب.
- تجاوَب مع المشاعر: لقد أخبرتَ مساعدك أنَّكما ستعملان اليوم حتى وقتٍ متأخر، وعلى الرغم من أنَّه وافق على ذلك، إلَّا أنَّه يمكِنك أن تلاحظ الاستياء الذي يشعر به من خلال نبرة صوته، ويجب عليك التصرف حيال ذلك من خلال التعامل مع مشاعره، وأخبِره أنَّك تقدِّر رغبته في العمل ساعاتٍ إضافية، وأنَّك أنت أيضاً محبطٌ بسبب العمل حتى وقتٍ متأخر، وإذا استطعتَ جِد طريقةً للتخفيف من وقع العمل حتى وقتٍ متأخر عليه في المستقبل (على سبيل المثال امنحه إجازةً في صباح الاثنين).
5. المهارات الاجتماعية:
يُعدُّ الأشخاص الذين يتميزون بمهاراتهم الاجتماعية أشخاصاً يتواصلون بشكلٍ رائع، فهم يتقبَّلون سماع الأخبار السيئة مثلما يتقبَّلون سماع الأخبار الجيدة، كما أنَّهم بارعون في إقناع فرقهم بدعمهم، وجعلهم متحمسين للبدء بمَهمة جديدة أو مشروعٍ جديد، وكما يُعدُّ هؤلاء القادة بارعين أيضاً في إدارة التغيير وحل الصراعات بشكلٍ دبلوماسي، فمن النادر أن تراهم يتركون الأمور كما هي عليه، فهم لا يجلسون من دون عمل ويجبرون الآخرين على القيام بعملهم؛ بل إنَّهم قدوةٌ من خلال سلوكهم. إذاً كيف يمكِنك بناء المهارات الاجتماعية؟
- تعلَّم حل الصراعات: يجب على القادة تعلُّم كيفية حل الصراعات بين أعضاء فرقهم، أو زبائنهم، أو مزوِّديهم؛ حيث تُعدُّ مهارات حل الصراع أساسيةً إذا كنتَ ترغب في تحقيق النجاح في الإدارة والقيادة.
- حسِّن مهارات التواصل لديك: ما مقدار قدرتك على التواصل؟
- تعلَّم كيفية امتداح الآخرين: بصفتك قائداً يمكِنك أن تعزز الولاء لدى فريقك بكل بساطة من خلال تقديم المديح لهم عندما يكون مستحقاً؛ حيث يُعدُّ تعلُّم كيفية امتداح الآخرين فناً، ولكنَّه فنٌّ يستحق العناء.
النقاط الرئيسة:
يجب أن يكون لدى القادة فهمٌ عميق لكيفية تأثير عواطفهم وأفعالهم في الأشخاص من حولهم لكي يكونوا قادةً فاعلين، فكلما كانت علاقة القائد مع الآخرين وعمله معهم أفضل، كان القائد أكثر نجاحاً. طوِّر وعيك الذاتي، وتنظيمك الذاتي، والحافز الذي تشعر به، وشعورك بالآخرين، ومهاراتك الاجتماعية، سيساعدك تطوير هذه المهارات على النجاح في الإدارة والقيادة في المستقبل.