من المعتقدات التقليدية أن الحوادث التي تؤدي إلى تغيير العالم هي تلك الحوادث الكبيرة مثل ابتكار القنابل واستخدامها وحدوث الزلازل الكبيرة والنمو السريع للسكان ونفاد الموارد وما إلى ذلك ولكن بالحقيقة فإن الأسباب البسيطة قد تكون أشد خطرا من تلك الكبيرة، فأمور بسيطة قد تغير العالم أو حياة شخص ما بحيث لا يمكن توقعها بشكل مؤكد، فهناك مقولة قديمة تقول: بسبب مسمار ضاعت حدوة الحصان، وبسبب ضياع الحدوة ضاع الحصان، وبسبب ضياع الحصان ضاع الفارس، وبسبب ضياع الفارس لم تصل الرسالة، وبسبب عدم وصول الرسالة خسرنا الحرب، وبسبب خسارة الحرب ضاعت المملكة، (أي أن مسمار تسبب في خسارة مملكة).
هذه المقولة عادة ما يتم ذكرها لبيان معنى مصطلح "تأثير الفراشة" وكيف أن أبسط التغيرات قد تؤدي إلى نتائج كبيرة.
ما هو تأثير الفراشة؟
نظرية تأثير الفراشة Butterfly Effect Theory)) هي أحد أحدث النظريات الفيزيائية الحديثة، ومصطلح "تأثير الفراشة" هو مُصطلح مجازي يشرح العديد من الأمور تتمحور حول فكرة أن الأسباب الصغيرة التي تنجم عن حدثٍ أول قد يكون بسيطاً في حد ذاته، لكنه يولد سلسلة من النتائجِ والتطورات المتتالية التي يفوق حجمها حدث البداية في أماكن وأزمان لا يتوقعها أحد، و تقترح أن هناك روابط خفية بين الأحداث المختلفة حيث لا وجود للصدف.
ويرجع سبب التسمية إلى أن مفسري هذه النظرية قالوا ما مفاده (إنَّ رفرفةَ جناحِ فراشةٍ في البرازيلِ قد تنتجُ عاصفةً بالصينِ)، ما يعني أن حركة جناحي الفراشة أثناء طيرانها قادرة على إحداث تغييرات بسيطة في حالة الطقس، قادرة على المدى الطويل أن تكون أحد أسباب حدوث إعصار في مكان بعيد تماما عن مكان تواجد الفراشة.
وأبسط الأمثلة على نظرية الفراشة تتجلى كثيراً في حياتنا اليومية: تخيل أنك أزعجت شخصاً ما في أحد الأيام فأنت تولد طاقة سلبية لهذا الشخص، يذهب هذا الشخص لعمله، يقابل مديره في اجتماع عاجل، يثير هذا الشخص سلبيته على مديره، ينقل المدير هذه السلبية لاجتماع بين الشركات فتؤثر هذه السلبية على إقتصاد الدولة ومن ثم إقتصاد العالم وفي النهاية تؤثر على الكون بأكمله.
فيمكننا القول أن أي عمل ولو كان صغيرًا سيؤثر ولو بشكل غير مباشر على أحداث أخرى، دون تحديد وقت معين فقد يحدث التغيير بعد يوم أو سنة أو أكثر وكما قالَ الشاعرُ: "ومُعظَمُ النارِ مِنْ مُستَصْغرِ الشَرِرِ".
كيف نشأت نظرية تأثير الفراشة؟
نشأت هذه النظرية على يد عالم الرياضيات والأرصاد الجوية «إدوارد لورينز» عام 1961 حيث كان يجري عمليةً حسابيةً بالكومبيوتر للتنبّؤِ بالطقسِ، وبدلاً من أن يدخل بالجهازِ العددَ (156.642135) كاملاً اختصرهُ إلى (156.642) أي إنه أهمل 3 خانات من أصل 6 بعد الفاصلة اختصاراً للوقت، معتقداً أن هذه الكسور الصغيرة جداً لن تغير بالنتيجة لبساطة تأثيرها ولكن مع أن الفرق قليل جداً بين العددين، وهو فقط (000.000135)، إلا أنهُ حصلَ فرق هائل بالنتيجة.
فاستنتجَ أن الأحداث الصغيرة وغير الملحوظة تتطوّر وتكبر لتصبح أحداثاً ضخمةً جداً، فأطلق على ما حدثَ نظريةَ تأثيرِ الفراشة (Butterfly Effect Theory)حيث أن الفرق بين السلسلتين كان صغير جداً لدرجة تشبه رفرفة جناحي الفراشة في الهواء.
وهذه النظرية غيّرت مفاهيم كثيرة وكانت من أساسيات بناء الفيزياء الحديثة حيث أنها كانت تعتمد على الفروقات الصغيرة لإحداث نتائج كبيرة.
أمثلة على تأثير الفراشة في حياتنا
- إن أثر مصطلح "تأثير الفراشة" في حياة الأفراد ينبهنا إلى أن كلمة توبيخ من أب لطفله الصغير أمام زملائه أو أمام الضيوف قد تغير مسار حياته للأسوأ تغييراً جذرياً.
- وأن صفعة أم على وجه طفلتها الصغيرة قد تتسبب للطفلة في مشكلة نفسية تعاني منها للأبد.
- وأن سخرية مُعلم من تلميذه أمام زملاء الفصل قد يُطفئ نبوغ هذا التلميذ ويحوله من عبقري في مجال نادر إلى مجرم شديد الإجرام.
- وبالعكس فإن كلمة طيبة تقولها لطفل مثل (أنت ذكي وأنت شجاع)، قد تشكل حافزًا له ليكون أفضل وليحاول إثبات كلامك فتغير مسار حياته للأفضل.
وهكذا نجد أن الكلمة هي جناح الفراشة والإعصار هو حياة الطفل بعد عدة سنوات، فلو نظرنا إلى هذا الطفل بعد عدة سنوات سنجد أن مسار حياته قد تحدد بناءً على كلمات الأشخاص حوله.
- وكذلك الحال بالنسبة لنا ففي اليوم الذي تستيقظ فيه وتتلقى كلمة تحفيزية ستجد نفسك في قمة العطاء و الإنجاز في بيتك أو مكان عملك، فكلمة طيبة بسيطة واحدة قادرة على إحداث ثورة من التشجيع في داخلك.
لذلك يجب على الإنسان فعل الخير حتى لو وجده صغيراً فكل هذه التصرفات التي نظنها عفوية وبسيطة ولا نلقي لها بالاً تُحدث الأثر العظيم على المجتمع.
كيف نستفيد من نظرية "تأثير الفراشة"؟
إن لكل إنسان منا آمال مؤجلة وطموحات يتمنى لو كان لديه الوقت لتحقيقها، والواقع يقول أن هذه الآمال تظل كما هي دون تحقيق، وتلك الطموحات تصبح مع مرور الوقت في طي النسيان، ولو استخدمنا نظرية "تأثير الفراشة" لأصبح الحال أفضل من ذلك بكثير، لذلك عليك تطبيق مبدأ (إذا كان من الصعب عليك أن تنقل صخرة كبيرة من مكانها، فقم بتفتيتها إلى أجزاء صغيرة ليسهل عليك حملها!).
- فإذا كنت لا تجد وقتاً لقراءة القرآن الكريم فيمكنك تخصيص نصف ساعة أو 15 دقيقة فقط قبل النوم لذلك، ربما تعتقد أنك لا تفعل شيئًا، ولكن مع الوقت ستجد أن تلك الربع ساعة لها تأثير كبير على حياتك.
- وإذا كنت لا تجد وقتاً للزيارات الاجتماعية، تذكر تواريخ المناسبات الخاصة بأقاربك وأصدقائك ومعارفك وقم بإرسال رسالة خاصة لأحدهم أو اتصل تليفونياً لتشارك أحدهم مناسبته!.
- ولو كنت تريد أن تكتسب عادة حسنة أو تتخلص من عادة سيئة استعمل تأثير الفراشة، فلا شيء يأتي بين ليلة وضحاها، كن متدرجًا كل يوم تخلص من شيء أو اكتسب شيئًا، قد يبدو الأمر بسيطاً لكن تأكد أنه مع الاستمرار ستفاجئ بكمية التغير الذي حققته.
إن كل ذلك ليس اختلاقاً للأعذار ولا استسلاماً للواقع ولكن (ما لا يُدرك كله لا يُترك كله) فخيارك هو عادة وهذه العادة تحدد شخصيتك وترسم حياتك، فإذا غيرت عادتك تغيرت شخصيتك بالكامل، وحينها سيترك ذلك انطباعًا دائمًا في بقية حياتك.
وخلاصة القول الفراشة التي تراها في حياتك صغيرة وضعيفة جدا، لها أهمية كبيرة في التأثير في الأحداث رغم أنها صغيرة جداً على هذا الكوكب ولكن أنت أيضاً صغير جدا مقارنةً بهذا الكوكب وكلاكما تأثران عليه بالسلب أو بالإيجاب، وقرارك الذي تتخذه يُغير كل شيء في الوجود، وهكذا يُعاد تشكيل المصائر والنتائج وكل شيء حولك في كل لحظة طبقاً لقرار أنت تتخذه أو قيمة تُقدمها لهذا العالم أو خطأ ترتكبه فكل أعمالنا وتصرفاتنا تؤثر بشكل غير مباشر على الكون في المستقبل، لهذا يجب أن يشعر الإنسان بمكانته وقدرته على إحداث تغيير في العالم في السنوات القادمة، لهذا عليك أن تكون جناح الفراشة الذي يساهم في إحداث الإعصار في المستقبل.
المصادر:
موقع بصائر
موقع إضاءات
معهد تطوير الذات
موقع الميادين