منذ لحظة ولادتك، أنت تملك قدراً معيَّناً من الحظ، وذلك رهنٌّ بالوضع الاجتماعيّ والماليّ لعائلتك، وموطنك الأصليّ وصحتك؛ فما يحدّد سوءَ أو حسن حظك، مجموعة العوامل تلك في هذه المرحلة المبكرة من حياتك. والآن، وبعد أن صِرت شخصاً بالغاً، لعلَّك تتساءل عن كيفيّة تحقيق أقصى استفادة من حظك، أو تفكر في سبب تعرّضك لهذه السلسلة المتتابعة من سوء الحظ.
ملاحظة: هذه المقالة مترجمة للكاتب والمدير في شركة Node.io "جريج ماك بيث".
فإن شعرت بأنَّه قد فات أوان ذلك، أو أنَّ تكريس طاقة دماغك لاستيعاب مفهوم الحظ سيعود عليك بنتائج عكسيّة، فاعلم أنَّك لستَ وحدك في هذا، وأنَّ فهم دور الحظ في حياتك وكيفية الاستفادة مما هو متاحٌ لديك، عنصران حاسمان في تحقيق نجاحاتٍ باهرة.
لقد تساءل الباحثون أيضاً عن دور الحظ في الحياة، فعلى سبيل المثال، عُرِضَ على عالم الكيمياء الحيوية "وحيد يعقوب" 1.7 مليون دولار لدراسة الصُّدفة، وذلك لأنَّها تتعلَّق بالاكتشافات العلميَّة، فوجد أنَّه على الرغم من أنَّ عامل الصُّدفة يمكن التَّحكم به إلى حدٍّ ما، إلا أنَّه يتضمّن جانباً من الحظّ أيضاً.
من وجهة نظر مهنيَّة، هذا يعني أنَّك حتى وإن قمت بكلّ شيءٍ بصورةٍ صحيحة، فقد تَجني نتائج سلبيَّة رغم ذلك. إذ خَلُصَت دراسةٌ أخرى إلى أنَّ الحظّ يلعب دوراً كبيراً في مساعدة الفنانين الاستعراضيين غير الموهوبين في التَّقدم بمسيرتهم المهنية أكثر من نظرائهم الموهوبين. كما خَلُصَ الاقتصاديون الذين تناولوا هذا الموضوع إلى أنَّ النُّجوم لايحققون نجاحاً في حياتهم المهنيَّة دون وجود بعض الحظ الجيد إلى جانبهم.
لذا وقبل أن تقرر إلقاء اللّوم على القَدر، تذكر أنَّ قراراتك اليوميَّة لا تزال تؤثر على نتائج الحياة، وأنَّه يُمكنُ للحظ أن يُنجِحَ أو يُحدِّدَ مسارك في العديد من المواقف، لكنّ التَّركيز على مسارٍ واضحٍ ومحدّدٍ يمنحك أفضل فرصةٍ لإدارة أيَّ حظٍّ تلقيه الحياة في طريقك.
الاستفادة من قوَّة الحظ:
لنقل أنَّك وجدت نفسك تعمل مع شركةٍ ناشئة بدا أنَّها في حالةٍ جيدة جداً، فظننت -نظراً لكونك أحد مؤسسيها- أنَّ ذلك بمثابة ضربة حظٍّ كبيرة، لكن بعد أشهر من ذلك، اكتشفت أنّ الرّئيس التّنفيذي كان يختلس الأموال، وانّهارت الشَّركة، وجرى التَّحقيق معك، ورغم أنَّك وُجِدت بريئاً؛ لكنَّك الآن عاطلٌ عن العمل رغم حاجتك الماسًّة لذلك: هذا سيكون من أسوأ أنواع الحظ السيء.
المدهش في الأمر: أنَّّه في هذه المرحلة، تكون ردود أفعالك هي السَّبب الوحيد لزيادة الحظ السَّيء في أيِّ فرصةٍ تُتَاح إليك. فالحظ يمكن أن يتغيّر في يومٍ ما، لكن الجرأة والكثير من العمل الشَّاق هما أفضل المهارات التي تحتاجها في ترسانتك لتقليل دور المحنة وتأثيرها.
وبالعودة إلى وضعنا الافتراضيّ؛ تخيل أَّنك بدلاً من الاكتئاب، استخدمت التجربة لمساعدة الآخرين على رؤية علامات الخطر التي تجاهلتها أنت عندما انضممت إلى تلكَ الشركة النَّاشئة. ونتيجةً لذلك تبدأ بالعمل الاستشاري!. ربما لم تكن هذه الوظيفة التي تأمل بها عندما انضممت للمؤسَّسة الناشئة، لكنَّك بالتأكيد تكون قد ابتعدت عن هذا الوضع بدلاً من أن تسمح له بعرقلة حياتك.
يمكن أن يدَّمر الحظ السَّيء أو ينهي حياة بعض الناس حتى. لكن بالنسبة لمعظمهم، إنَّه حجر عثرة يمكن تجاوزه بالسلوك الجيّد والاستجابة الصَّحيحة.
استراتيجيات تغيير الحظ:
هل أنت مهتمٌّ بمعرفة كيفيِّة تحقيق أقصى استفادةٍ من حظِّك لتصل إلى نتيجةٍ إيجابيَّة؟ جرب هذه الاستراتيجيات الأربع:
1. العمل بجدّ لتحسين حظك:
العمل الجادّ والذكيّ هما طريقتا دفاعٍ جيّدة ضد آثار الحظّ السَّيئ، حتى لو كان الحظّ السّيئ في طريقك دوماً، يمكنك غالباً تخفيف آثاره من خلال الاستمرار في اتّخاذ الخيارات الصَّحيحة.
في أوّل وظيفةٍ لي في المبيعات، تمّ إسناد مهام المبيعات لي في إحدى المناطق بحساب عالمي واحد حيث حصلت عمليَّة اندماج كبيرة في العام السابق، وحَصَلَتْ على حوالي 350٪ من الحصَّة. قام الفريق بتحقيق أرباحٍ طائلة بوقت قصير. عندما انضممت، زادت أهداف المبيعات (الحصّة) لتصل إلى نسبة التضخم التي تمّ تحقيقها في العام الماضي. ولسوء حظي، بدون حصول أيّ اندماجٍ آخر، كانت احتمالات الوصول إلى هذه النسبة في أثناء فترة عملي تقريباً صفر. في تلك المرحلة، كان لديّ خياران: الغرق في الإحباط أو معرفة ما يمكنني القيام به من خلال الاستفادة من فريقٍ موهوب. على الرَّغم من أنَّني شعرت بالإحباط بسبب الموقف، إلا أنَّني تمكنت من تعلّم الكثير من زملائي الكبار وبناء علاقاتٍ جيَّدة للانتقال إلى منطقةٍ جغرافيَّةٍ جديدة أفضل في العام التالي.
بغض النظر عن ماهيَّة حظِّك، اسأل دائماً: "ما هو مسار العمل المنطقيّ الآن؟"، اعمل مع أعضاء فريقك -بمن فيهم كبار السنّ- لتطبيق هذه الطَّريقة بشكلٍ أكثر منهجيَّة أيضاً، وكلما قلَّ الوقت الذي تقضيه بالشُّعور بالشَّفقة على نفسك أو في الحساسيَّة المفرطة بعد تعرضك لسوء الحظ، كان ذلك أفضل.
2. معرفة الفارق بين سوء الحظ وسوء اتّخاذ القرار:
إنَّه لمن المهمّ فهم وتفسير الفارق بين سوء الحظ واتخاذ قرار سّيئ، قد يكون من الصعب التَّمييز بينهما، ولكن من أجل القيام بذلك، يمكنك أنّ تسأل نفسك، هل كان هناك أيّ شيءٍ يمكنني فعله بشكلٍ أفضل لمعرفة النَّتيجة مسبقاً وتجنّب الموقف؟ إذا كان الجواب نعم، فمن المحتمل أنَّك اتَّخذت قراراً سيّئاً.
كلاعبٍ سابقٍ أَدْمَنَ لعبة الورق، كان الحظ في البطاقات موجوداً دائماً، في بعض الأيَّام، شعرت وكأنَّني غير قادرٍ على الفوز مهما حاولت ذلك، وفي أوقات أخرى، شعرت وكأنَّني لا يمكن أن أخسر، كان الإعتبار الأكثر أهميَّة في كلتا الحالتين هو ما إذا كنت ألعب بطريقةٍ صحيحةٍ بالأوراق التي أملكها ومع اللَّاعبين الموجودين، الحظ في لعبة الورق قصير الأمد، لكن من خلال التَّركيز على جودة قراراتي، كنت دائماً قادراً على التَّغلب على سوء الحظّ المؤقت وتجاوز العقبات على المدى الطويل.
3. الاستفادة من هدية الحظ الجيّد:
يُلقى اللّوم دائماً على الحظ السَّيء، ولكن فهم كيفية الاستفادة من الحظّ الجيّد هو على نفس القدر من الأهميَّة، يمكن أنّ يكون الفوز رائعاً، لكن يمكن أنّ يتحوّل إلى مشكلةٍ بسهولة، خاصةً إذا كان سبب النَّجاح هو الحظّ الجيّد وليس اتخاذ القرار الصَّحيح. عندما يعترضك حدثٌ كبيرٌ في الحياة، من المهمّ أنّ تستمتع بهذا النجاح ولكن من الأهميَّة بمكانٍ ألا ترتاح إلى أمجادك، استفد مما يجلبه لك الحظ الجيّد، مع العلم أنَّه قد يكون مقدمةً لحظٍّ سيءٍ سيأتي في النهاية.
كقائد أعمال في شركة تكنولوجيَّة ناشئة، واجهت أنا وفريقي الكثير من التحديَّات، تتغير الحظوظ، يربح المنافسون أو يخسروا بشكلٍ غير متوقع، وخطأ إنتاجيّ واحد كفيل بتحقيق خسارة فادحة، لكن عندما يفوز فريقي بصفقةٍ كبيرة، لا نحتفل فحسب، بل ونضاعف جهودنا؛ فالنَّجاح يولد النَّجاح، لذا عندما نربح صفقة كبيرة، نريد التّأكد من أنَّ الجميع (داخل الشركة وخارجها) يعرفون ذلك، ونبذل قصارى جهدنا لإنجاح تلك الصفقات، ورغم أنَّ هذا النّهج ليس حلاً ناجعاً لتباين تقييمات الشركة النَّاشئة، إلا أنّه يمكّنك من تحسين الانتاجيَّة في أيام انخفاض تلك التَّقييمات.
4. الحفاظ على مسارك عندما يضرب الحظ السيئ:
تجربتنا الحياتيَّة هي مجموع التَّأثيرات الخارجيَّة، بالإضافة إلى ما يمكننا السَّيطرة عليه. عندما يعصفُ الحظ السّيء، من المهمّ أن تعترف بوجوده ولكن لا تحرف تركيزك عمَّا هو تحت سيطرتك. إنَّه لمن المهمّ تقييم ما إذا كانت النَّتيجة ناتجةً عن سوء الحظّ أو عن سوء اتخاذ القرار، يجب ألا تجري تغييرات لمسارك الأساسيّ على أساس الحظ.
قد لا يكون الحظّ صديقك أو أخوك أو زميلك أبداً، لذا لا تعتمد سعادتك وعلاقاتك ونجاحك المهنيّ فقط على الحظ. وعند التَّحكم فيه، ستكون قراراتك هي محور اهتمامك.
بالتَّأكيد، يمكن أنّ يساعد الحظ بطرائق غير متوقعة، ولكن في نهاية المطاف، نادراً ما يصنعك أو يكسرك. وباستخدام المنهج الصَّحيح، يمكنك إدارة الحظّ مثل أيّ أداةٍ في صندوق الأدوات الخاصّ بك لتقترب من المكان الَّذي تريد أن تكون فيه في النَّهاية.